بعد استحالة جمع الشعب كله في صعيد واحد, فإنه لو تحقق ذلك لأدى إلى استحالة الوصول إلى قرار نتيجة لتشعب الآراء واختلاف المنازع لمجموع أفراج الشعب, فوق أن الأمر قد يتعلق بمسألة فنية بحتة قد تخفى على معظم الناس, ومن ثم فمن العبث الرجوع إليهم جميعًا لكل ذلك, فإن الإنابة في تشكيل أهل الشورى تعد أسلم الطرق لاختيارهم.
وقد سبق أن أشرنا عند تعرضنا للسوابق التي حدثت في عهد النبوة كيف أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أشار على القوم بالرجوع إلى عرفائهم, يعني المعروفين لديهم حتى يرفعوا إليه الأمر كما وضع ذلك فيما نقلناه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه, ويتحتم أن يشترك الشعب كله في اختيار أهل الشورى؛ لأن لفظ: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} تشير إلى المجتمع كله ولم يخص الشارع فئة من القوم دون سواهم بأداء مقتضيات الشورى فالأمر المعروف هنا هو أمر المسلمين المضاف إليهم, ومن ثم فإن كل مسلم بالغ عاقل ذكرًا كان أو أنثى يجب أن يشترك في عملية اختيار أهل الشورى الذين توافرت فيهم الشروط فالمسلمون سواسية في حق التصويت وإبداء الرأي.
ووجب المشاورة ككل الواجبات التي فرضها الشارع لا مدخل فيه للعصبية أو التعصب لرأي اللهم إلا إذا اعتقد أنه هو الرأي الصواب, ولا بد أن ينزل على حكم الأغلبية, ويقف حيث تقف الجماعة وفي مجلس الشورى, لا مدخل للحزبية, والطائفية فيه؛ لأن الإسلام يأبى أن يتحزم أهل الشورى, ويكون مع أحزابهم في التمسك بالرأي الباطل, وإنما الذي يقتضيه النظام الإسلام هو أن يدوروا مع الحق حيث دار ولا يحيد عنه, ولا بد أن ينزل الواحد عن رأيه إذا تبين له أنه غير صواب وأنه مخالف ولا تثريب على مجلس الشورى إذا ما توصل إلى