المشاركة في الحكم, وفي إدارة شئونها العامة وإقامة الصلة الوثيقة بين طرفي المجتمع الحكام من ناحية والمحكومين من ناحية أخرى بتقرير ذلك المبدأ, فكان من الطبيعي أن يشترك الشعب كله في إدارة شئونه العامة, إلا أن ذلك لا يمكن تحقيقه لسببين:

الأول: أن الإسلام لا يهتم بالكثرة, إلا قدرة إيمانها وتقواها وعلمها وثقافتها وإحاطتها, بالقانون الإسلامي, ومن ثم فقد يكون رأي قلة من العلماء, أفضل من رأي أكثرية جاهلة, وهو ما يستدل من قوله عز وجل: {قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ} (المائدة: من الآية: 100) والسرخسي يقرر أن محمد بن الحسن يرى أن الترجيح يكون على قدر أكثر الآراء اتفاقًا ويخالف السرخسي ما ذهب إليه محمد بن الحسن بقوله: وهذا خلاف ما هو المذهب الظاهر لأصحابنا في الترجيح, أنه لا يكون بكثرة العدد, وعليه دل ظاهر قوله تعالى: {إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} (هود: من الآية: 11) وقوله تعالى: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} (يوسف: من الآية: 21) وقوله تعالى: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} (يوسف: 103) الثاني أنه يستحيل في الواقع أن يشترك في المشاورة جميع المسلمين في كل أمر من الأمور حتى, ولو صرفنا النظر عن السبب الأول؛ لأنه من ناحية يستحيل ماديًّا اجتماع الشعب كله في مكان واحد للمشاورة والوصول إلى قرار, وهذا ما عناه ابن حزم, عندما اعترض على الرأي الذي اشترط لصحة اختيار الخليفة, أن يعقدها فضلاء الأمة في أقطار البلاد الإسلامية كلية؛ لأنه كما يرى تكليف بما لا يطاق, وما ليس في الوسع, ولا بد من ضياع أمور المسلمين, قبل أن يجمع جزء من مائة من فضلاء أهل هذه البلاد, ومن ناحية أخرى أنه حتى ولو سلمنا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015