في حين يرى رأي آخر إلى أن الشورى ملزمة ابتداء وانتهاءً بمعنى أن الشورى واجبة عندما يراد البت في أي أمر من الأمور الدنيوية, ولا يجوز الإقدام على أمر من الأمور فيما لم ينزل فيه وحي إلا بإتباع المشاورة, فإذا انتهى المتشاورون إلى رأي فإن هذا الرأي يكون واجب العمل به, وهو ما يستدل من قوله -صلى الله عليه وسلم- لأبي بكر وعمر لو اجتمعتما في مشورة ما خالفتكما وما روي عن علي قال: سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن العزم قال: مشاورة أهل الرأي ثم اتباعهم.
وفي نطاق المفاضلة بين هذين الاتجاهين وهذين الرأيين نرى أن ما رواه الذين يقولون بأن المشاورة ملزمة ابتداء وانتهاء. أي أنه يجب العمل بالرأي الذي انتهى إليه المتشاورون هو الأولى بالقبول والراجح, وإذا كان الاتجاه الأول يتلاءم مع عصر النبوية باعتبار أنه -صلى الله عليه وسلم- معصومًا عن الخطأ ومنزهًا عن الهوى, ومن ثم فإنه إذا أقدم على رأي حتى ولو كان يخالف ما انتهى إليه المتشاورون فإنه سيكون الرأي الصواب, وإن لم يكن كذلك فإن الوحي كفيل بأن يوجه الرسول -صلى الله عليه وسلم- أما بعد عصر النبوة وانتهاء الوحي فإن القول بأن المشاورة إن كانت واجبة في البداية فهي ليست واجبة انتهاء بحيث يكون للحاكم أن يعزم على رأي حتى ولو كان مخالفًا لما انتهى إليه المتشاورون, نقول هو قول لا نقبله؛ لأنه من ناحية يجعل الشورى أمرًا صوريًّا ووهميًّا بحيث يكون الحاكم قد امتثل إلى هذا الواجب بمجرد المشاورة, حتى ولو كان قد عزم مسبقًا على رأي محدد يخالف رأي الأغلبية من الأمة.
ومن ناحية أخرى فإن هذا القول من شأنه أن يؤدي إلى الاستبداد, والتسلط حيث ينتهي في النهاية إلى عدم إعطاء أي قيمة أو وزن لآراء أهل الشورى, وهم