أما حين تتجزأ هذه القاعدة، وتتوزع سلطة التشريع في المجتمع، فحينئذ يكون السلطان لله تعالى في الضمائر، والشعائر بينما تكون السلطة لغيره في القوانين والشرائع، وحين تكون السلطة لله في جزاء الآخرة بينما السلطة لغيره في عقوبات الدنيا -حينئذٍ- تتمزق النفوس والمجتمعات بين سلطتين مختلفتين، وبين منهجين مختلفين، وحينئذ تفسد الحياة البشرية ذلك الفساد الذي يشير إليه قول الحق تبارك وتعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا} (الأنبياء: 22) وقوله سبحانه: {وَلَوْ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتْ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ} (المؤمنون: الآية: 71) وقوله -عز وجل-: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنْ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} (الجاثية: 18)
ولو أن المسلمين في مجتمعاتهم يؤسسون دولهم على قاعدة الحاكمية لله تعالى إذن: لترتب على ذلك احترام قواعد الشريعة أو القانون في الدول التي ترتكز على هذا المبدأ، سواء من قبل الحاكم أو المحكومين، لأن الكل سواء أمام حكم الله تعالى، يمتثل ويطلب الثواب ويخشى العقاب، ويراقب ضميره دائمًا؛ لأن الله ناظر إليه، ومطلع عليه، وهو -سبحانه وتعالى- يعلم المفسد من المصلح.
وهذا -بطبيعة الحال- يبرز سلطان القانون وهيبته في الدولة؛ لأن قيمة أية شريعة إنما تقاس بمقدار ما لها في نفوس الأفراد من طاعة واحترام، وهذا أمر لم تصل إلى مستوى الشريعة الإسلامية فيه أي شريعة وضعية.
وأيضًا فإن انفراد الله -سبحانه وتعالى- بحق الحاكمية في المجتمعات الإسلامية يؤدي إلى ثبات الأنظمة واستقرارها كما أشرنا إلى ذلك سابقًا؛ لأن الأشكال المختلفة للحكومات كالجمهوريات أو الملكية ستكون مرتبطة دائمًا بالدين الذي لا يتغير ولا يتبدل، والذي يؤمن به كل حاكم، ويستخدم له كل نظام.