ومندرجًا في عمومها، وكان الخلفاء في صدر الإسلام يباشرونه بأنفسهم، ولا يجعلون القضاء إلى من سواهم، وأول من دفعه إلى غيره وفوضه فيه عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فولى أبا الدرداء معه بالمدينة، وولى شريحًا بالبصرة، وولى أبا موسى الأشعري بالكوفة، وكتب له في ذلك الكتاب المشهور الذي تدور عليه أحكام القضاء.
ثم يقول ابن خلدون في موضع آخر: إن الخلفاء كانوا يقلدون القضاء لغيرهم، وإن كان مما يتعلق بهم لقيامهم بالسياسة العامة وكثرة أشغالها من الجهاد والفتوحات وسد الثغور وحماية البيضة، واستخلفوا فيه من يقوم به تخفيفًا عن أنفسهم، وهذا معنى هذا الكلام الذي نقلناه عن ابن خلدون في مقدمته إنما يبين لنا: أنه بعدما سن عمر بن الخطاب الفصل بين السلطة التنفيذية والسلطة القضائية استمر هذا الفصل بعده -رضي الله عنه- في الدولة الإسلامية، وأصبح هناك فصل بين السلطة التنفيذية والسلطة القضائية، وفعل ذلك عمر بن الخطاب -كما قلنا- لأن المصلحة تقتضي ذلك.
ففصل الخصومات بين الناس يحتاج إلى أناس متفرغين، أما الخليفة فقد أصبح لا يستطيع القيام بمهام الخلافة ومهام القضاء، ولذلك وجد سيدنا عمر أن المصلحة تقتضي الفصل بين الخلافة وبين تولي أعمال القضاء، وهذا ما نأخذه من المصالح المرسلة.
فالأخذ -إذن- بالمصالح المرسلة فيه تحقيق لمصلحة المجتمع الإسلامي، وهذا إنما يدخل في نطاق الأحكام السياسية.
أيضًا من الأمور التي تعتبر من المصادر للأحكام السياسية والدستورية العرف، والعرف عبارة عن: ما يعتاده الناس في أمر ما، وتستقيم عليه أمورهم، وهو يختلف عن العادة، فهي أعم من العرف، إذ هي تطلق على كل أمر متكرر صادر