وأما القسم الثالث فهو ما لم يشهد له الشارع باعتبار أو بإبطال، وهو ما يعرف بالمصالح المرسلة، فهو نوع من المصالح يلائم مقاصد الشارع، وإن كان لم يشهد له أصل خاص بالاعتبار أو الإلغاء.

وقد حمل لواء هذا النوع من المصالح الإمام مالك -رحمه الله تبارك وتعالى- وفق شروط معينة.

والمصالح المرسلة على هذا: إنما تعتبر مصدرًا أساسيًا من مصادر القواعد الدستورية بصفة خاصة؛ لأن أكثر هذه القواعد لم يرد بها نص شرعي؛ فيكون باب المصلحة مفتوحًا أمام المجتهد؛ ليأخذ بما تقتضيه هذه المصلحة، وهو ما يقارب ما يعرف عن القانونين بفكرة القانون الطبيعي، وقواعد العدالة التي يعتمد عليها شراح القوانين الوضعية بصدد الموضوعات التي لم ينص على حكمها.

ومما يدل على جواز الأخذ بهذه المصالح في الأحكام الدستورية والسياسية ما ذكره ابن خلدون في (المقدمة) من أن الخليفة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كان أول من فصل بين السلطة التنفيذية والسلطة القضائية اعتمادًا على المصلحة، على الرغم من أنه لم يكن هناك فصل بين السلطة التنفيذية والسلطة القضائية أيام النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا أيام أبي بكر -رضي الله عنه وأرضاه-.

فعل ذلك عمر بن الخطاب أي: أنه فصل بين السلطة التنفيذية والسلطة القضائية، لماذا؟ اعتمادًا على المصلحة؛ لكثرة شواغل الإمام التنفيذية التي لا يستطيع معها القضاء والفصل في الخصومات.

يقول ابن خلدون: وأما القضاء فهو من الوظائف الداخلة تحت الخلافة؛ لأنه منصب الفصل بين الناس في الخصومات حسمًا للتداعي وقطعًا للتنازع، إلا أنه بالأحكام الفرعية المتلقاة من الكتاب والسنة، فكان لذلك من وظائف الخلافة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015