لهم الضوابط لنظام الحكم سواء من الناحية الدستورية، أو غيرها، أو بعد ذلك ترك لهم التفصيل؛ فلهم أن يفصلوا هذه الأمور التي استجدت، وفق الضوابط الشرعية، ووفق الأحكام الكلية التي ذكرها القرآن الكريم.
نضرب مثالا لذلك بالشورى؛ الله -تبارك وتعالى- يقول: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} (الشورى: من الآية: 38) ويقول: أيضًا: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْر} (آل عمران: من الآية: 159) فقد نص القرآن الكريم على قاعدة الشورى، لكنه لم يبين لنا كيفية ممارسة هذه الشورى؛ ولذلك ترك هذا التفصيل للأفراد، وهذا التفصيل سوف يختلف من زمان إلى زمان، ومن مكان إلى مكان، المهم أن يتم ذلك، وفق الضوابط العامة التي رسمها القرآن الكريم.
وفي ضوء ما تقدم- يمكننا أن نقرر أن القرآن الكريم هو مصدر النظام السياسي الإسلامي الأول، وأن قلة الآيات التي تتعرض لبيان أحكام هذه المسائل فيه -إنما كان- لأن القرآن الكريم اقتصر على بيان القواعد الكلية فقط، وترك ما وراء ذلك من التفصيلات، والجزئيات لظروف كل مجتمع بحسب ما يستجد من المستحدثات، والوقائع بما لا يخرج عن أسس الشرعية، ومقاصدها، ولم يكن هذا عن قلة عناية من الشارع بهذه الأحكام -كما حاول البعض من المؤلفين المحدثين أن يفهمه خطأ، أو عن حسن قصد منه؛ لتأثره بالمنهج الوضعي من ناحية، وقلة دربته وأنسته بقواعد الشرع الإسلامي وخصائصه من ناحية أخرى- وصدق الله العظيم إذ يقول: في وصف كتابه: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} (النحل: من الآية: 89).
هذا وبالله التوفيق، نكتفي بهذا القدر، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
2 - تابع: مصادر الأحكام السياسية في النظام الإسلامي
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فقد تحدثنا في المحاضرة السابقة عن مفهوم السياسة في الإسلام وعن القرآن الكريم كمصدر من مصادر الأحكام الدستورية في الإسلام ونواصل الآن الحديث عن المصدر الثاني، وهو السنة النبوية الشريفة، فنقول:
السنة في اللغة: هي الطريقة والسيرة، وقيل: هي مأخوذة من سن بمعنى بيّن، وسميت السنة كذلك؛ لأنها مبينة للقرآن الكريم،