ويفرض هذا أن توجد الوسائل التي تحتكم إليها هذه الأقاليم عند الاختلاف؛ لتكفل معاونة كل إقليم على إدارة شئونه، ولئلا تطغى المصلحة الخاصة على المصلحة العامة، أو تتعارض معها، ولكي يتحقق الالتزام بالخط الإسلامي.
ومن المرتكزات أيضًا التي ينبغي أن تبنى عليها السياسة في الدولة الإسلامية، يتعين أن تكون ممارسة السياسة الدينية -في ظل القانون الإسلامي- لأنه هو المحك وفق له توصف السياسة بأنها على الصواب، أم على الخطأ، وعليه فإن السياسة في الإسلام ليست من قبيل السياسة المطلقة، إذ يعني ذلك: ألا تتقيد الدولة حكامًا، وأفرادًا بنصوص الشريعة، وان تتبع ما يترائى لها أنه المصلحة من منطق بشري بحت، وأن يكون رائدها في ذلك مشيئة شعبها، وحاكمها، دون نظر إلى الدين والحق، وهذا لا يجوز في الإسلام.
ولإيضاح ذلك يمكن التفرقة بين أمرين:
الأمر الأول: أن مبادئ السياسة -التي وردت بها النصوص الدينية في الكتاب، والسنة، أو حدث بشأنها إجماع- هذه المبادئ يتعين الالتزام بها ولا مجال للتحلل منها، أو الخروج عليه، وذلك مثل الحكم بالعدل، وأداء الحقوق لأصحابها قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} (النساء: من الآية: 58) ومثل أيضًا منهج المشاورة، وتبادل الرأي، هذه مبادئ سياسة يقول تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} (آل عمران: 159).
ومثل طاعة الحاكم ما لم يأمر بمعصية لقوله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق)) ومثل المساواة بين الناس؛ فقد روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((الناس سواسية كأسنان المشط)).