من مقرراتها ذلك هي سياسة تحيد عن الطريق الإسلام؛ فالمسلمون على ما بينهم من اختلاف في المشارب، والعادات، والأجناس هم أخوة في الدين، وهذا مطلب إسلامي، أمرت به النصوص، وحثت عليه، وهو يتجاوز الفكر النظري إلى الجانب العملي؛ قال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا} (آل عمران: من الآية: 103) وقال تعالى: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} (الأنبياء: 92).
وفي الحديث يقول: -صلى الله عليه وسلم-: ((من أتاكم وأمرك جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه)) وفي هذه الدلائل إشعار بوجوب الوحدة، والاتحاد بين المسلمين؛ لأنها مصدر القوة والمنعة، وأساسها، وهي وسيلة من أهم الوسائل التي تحفظ لها كيانها، وهيبتها، وينطلق بها نحو تحقيق أهدافها الدينية، والدنيوية.
ولهذا اعتبر الإمام الحاكم واحدًا؛ لأن المقصود حصول ذي رأي مطاع يجمع شتات الأراء، ويحول بين المسلمين، وبين دروب المنازعة والشقاق، ويحملهم على مصالح المعاش، والمعاد؛ فلو انتهض لهذا الأمر أكثر من إمام واحد، واتخذ كل منهم الأعوان، ولجأ إلى القوة للغلبة؛ لتهددت بذلك مصالح المسلمين، وعمت الفوضى؛ لذلك ذهب العلماء إلى النص على أن يكون الإمام واحدًا.
والملاحظ على الواقع السياسي للمسلمين أنه يخالف هذه النظرة، وهو الوحدة، وإذا كان يقف وراء هذا الواقع العديد من الأسباب التي أدت إليه من بروز النزاعات العصبية، والإقليمية، وحب السلطة، والنزوع نحو الفردية، والتسلط الأوربي، والغزو الفكري الذي تعرض له المسلمون، وغير ذلك من الأسباب؛ فإن هناك مبدأ عامًا -يجب أن يهمن على السياسة عند المسلمين في مشارق