أما في حالة عدم النص على مقدار الجزية في عقد الصلح, فلولي الأمر أن يضع عليهم الجزية حسب مقدرتهم التكليفية, فقد رَوي ابن شهاب أن عمر بن الخطاب كان يأخذ ممن صالحه من أهل العهد ما صالحهم عليه, لا يضع عنهم شيئًا, ولا يزيد عليهم, ومن نزل منهم على الجزية ولم يسم شيئًا نظر عمر في أمورهم, فإن احتاجوا خفف عنهم, وإن استغنوا زاد عليهم بقدر استغنائهم.

ويتبين لنا من خلال ما تقدم أن التشريع الإسلامي راعى في تنظيمه للقوانين المنظمة للجزية عدم كثرة تلك القوانين, وجعلها واضحة محددة, لا تثير أي تحايل, ومن ثم سد الباب أمام التفسيرات والاجتهادات المختلفة بالنسبة لهذه القوانين, وبالتالي قضى على الثغرات التي بواسطتها قد يتمكن المكلف بالجزية من نقل عبء الجزية الذي يتحمله إلى غيره من المكلفين بها, وهذا معناه تجنب الراجعية في الجزية, وبتجنب تلك الرجعية تتحقق المساواة بين المكلفين في تحمل التكليف بالجزية, كل حسب مقدرته المالية.

وبالنسبة لمحاربة التهرب من أداء الجزية نقول:

عمل المسلمون على محاربة التهرب من أداء الجزية, فقد جاءت في المعاهدة التي تمت بين حبيب بن مسلمة, وبعض البلاد التي افتتحها: بالأمان لكم, ولأولادكم, ولأهاليكم, وأموالكم, وصوامعكم, وبيعكم, ودينكم, وصلواتكم, على إقرار بصغار بالجزية, على أهل كل بيت دينار واف, ليس لكم أن تجمعوا بين متفرق من الأهلات -أي البيوتات- استصغارًا منكم للجزية, ولا لنا أن نفرق بين مجتمع؛ استكثارًا منا للجزية.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015