والحكمة من اشتراط نصاب معين لوجوب الزكاة أنه لما كان الأغنياء هم المكلفون بأداء الزكاة, لزم تحديد القدر الذي يعتبر به الشخص غنيًّا, فإذا كان غير مالك لهذا القدر اعتبر فقيرًا, لا يعفى فقط من أداء الزكاة, وإنما يمكن أيضًا صرفها إليه؛ إذ ما نقص عن النصاب يعتبر حدّا أدنى لازمًا للمعيشة, بحيث إذا لم يبلغ الشخص النصاب أصبح مستحقًا للزكاة.
والإسلام جعل لكل نوع من الأموال نصابًا معينًا لا تجب الزكاة فيما نقص عنه؛ وذلك مراعاة لظروف المكلف, وقد ذكرنا ذلك فيما مضى, ذكرنا نصاب الزروع, والثمار, وغير ذلك, فنكتفي بما ذكرناه هناك.
إعفاء الحد الأدنى اللازم للمعيشة:
اشترط بعض الفقهاء أن يكون النصاب فاضلًا عن حاجات مالكه الأصلية؛ لأنه به يتحقق معنى الغنى, ومعنى النعمة, وهو الذي يحصل به الأداء عن طيب نفس؛ إذ المال المحتاج إليه حاجة أصلية لا يكون صاحبه غنيًّا عنه, ولا يكون نعمة؛ إذ التنعم لا يحصل إلا بالقدر المحتاج إليه حاجة أصلية؛ لأنه من ضرورات البقاء, وقوائم البدن, والحاجة الأصلية هي ما لا غنى عنه للإنسان في بقائه, كمأكله, ومشربه, وملبسه, ومسكنه, وما يعينه على ذلك من كتب علمه, وأدوات حرفته, ونحو ذلك, وقد فسر بعض علماء الحنفية الحاجة الأصلية بقوله: هي ما يدفع الهلاك عن الإنسان تحقيقًا كالنفقة, ودور السكنى, وآلات الحرب, والثياب المحتاج إليها لدفع الحر, أو البرد, أو تقديرًا كالدين, فإن المدين يحتاج إلى قضائه بما في يده من النصاب؛ ليدفع عن نفسه الحبس الذي هو كالهلاك, وكآلات الحرفة, وأثاث المنزل, ودواب الركوب, وكتب العلم