القواعد الجديدة في النظام المالي ومؤسساته:
ونتحدث الآن عن القواعد الجديدة في النظام المالي، ومؤسساته، فنبدأ بتعريب ديوان الخراج:
ونقول: اقتضى اتساع موارد الدولة، وتعدد أوجه إنفاقها ضبطًا للمؤسسات المالية، ووضع قواعد جديدة للإشراف على نشاطها، وسير العمل بها، وكان معاوية بن أبي سفيان أول من أحس تلك الحاجة، نتيجة الاستقلال المالي للولايات، إذ أمر لعمرو بن الزبير بمائة ألف درهم، وسلمه كتابًا بذلك؛ ليأخذ المبلغ من والي العراق زياد بن أبي، وفتح عمرو بن الزبير الكتاب في الطريق، وجعل المائة مائتين، وعند مراجعة الخليفة لميزانية العراق ساورته الشكوك، وأنكر هذا التلاعب، وعلى الرغم من استرداد السلطات المالية لهذا المبلغ، إلا أن معاوية رأى أنه لا بد من ضبط جديد للمؤسسات المالية، وأنشأ لهذا الغرض: ديوان الخاتم.
فإذن ديوان الخاتم، ونقصد بالخاتم: الختم الذي تختم به المكاتبات التي تخرج من عند الخليفة.
فهذه الحادثة التي وقعت لمعاوية بن أبي سفيان مع عمرو بن الزبير الذي غش، والذي لعب في هذه الأوراق التي كانت بيده، وجعل المائة مائتين، وهذا التزوير الذي حدث جعل معاوية يفكر في هذا الأمر؛ ولذلك رأى أنه لا بد من ضبط جديد للمؤسسات المالية؛ خوفًا من هذا التزوير الذي حدث، فإذا كان هناك تزوير على الخليفة فمن باب أولى سوف يكون هناك تزوير على باقي المسئولين في الدولة، ولذلك أنشأ لهذا الغرض ديوانًا يسمى: ديوان الخاتم.
وصار هذا الديوان الجديد من أهم معالم القواعد المالية الجديدة زمن الأمويين، فكانت له نظم دقيقة، وعمال يقظون، فإذا صدر توقيع من الخليفة بأمر من الأمور أُحضر التوقيع إلى ذلك الديوان، وأُثبتت نسخته فيه، وحُزم بخيط، وختم بشمع، وختم بخاتم صاحب الديوان.