دخول الشتاء وفصل البرد؛ حيث جرت العادة بتقديم الفرس الهدايا لملوكهم, وغدا إحياء هذا التقليد المالي القديم يمثل موردًا جديدًا من موارد ولاية العراق زمن الأمويين إلى جانب الجزية والخراج. معنى ذلك أن هناك نوع جديد من الموارد المالية أضيف إلى موارد الإسلامية فأضافوا إلى الجزية والخراج موردًا آخر هذا المورد الآخر هو ما يسمى بهدايا النيروز والمهرجان -عيدان عند الفرس- وكانت عادة هؤلاء القوم أنهم في هذه الأعياد يقومون بإعطاء الملوك هدايا, هذه الهدايا كانت تبلغ مبلغًا كبيرًا؛ لذلك أحيا هذه العادة الأمويون الهدايا التي كانوا يعطونها قبل ذلك لملوكهم -أي قبل أن يدخل الإسلام عندهم.
هذا نوع جديد وهذا نوع من التنظيم جديد لموارد بيت المال, لم يكن موجودًا أيام النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا أيام أبي بكر، ولا أيام عمر، ولا أيام عثمان، بل ابتدع ذلك الأمويون, وعمد معاوية أيضًا إلى زيادة موارد العراق عن طريق استصلاح الأراضي في منطقة تسمى البطائح، وهي الأرض الواطئة الممتدة بين البصرة والكوفة المغمورة بالمياه, واستطاع عن طريق عمال الخراج في ولاية العراق استصلاح ضياع واسعة, بلغت غلتها خمسة آلاف درهم, بحساب هذه الأيام, وصار هذا العمل الذي قام به معاوية تقليدًا هامًّا اتبعه سائر من جاء بعده من الخلفاء، حتى صارت موارد العراق تستمد قدرًا كبيرًا من تلك الأراضي الجديدة.
هذا هو المورد الثاني من الموارد التي أنشأها الأمويون زمن حكمهم, قلنا: المورد الأول هو الهدايا التي كانت تعطى لهم من سكان هذه البلاد أيام أعيادهم وهو النيروز والمهرجان.
المورد الثاني الذي أنشأه الأمويون هو استصلاح الأراضي, فكانت هناك أراضٍ شاسعة ليس بها زرع, فقاموا باستصلاح هذه الأراضي، وعندما استصلحت هذه الأراضي وضعوا عليها الضريبة ... وغير ذلك؛ ولذلك أصبحت هذه الأراضي تأتي بأموال طائلة؛ ولذلك استصلاح الأراضي أصبح سنةً متبعةً منذ عهد الأمويين وأصبح يحرص عليه من يأتي بعدهم في الحكم. فهذه الأراضي التي استصلحت إنما كانت تأتي بمورد ثابت من الموارد المالية للدولة الإسلامية في عهد الأمويين.
وأيضًا اهتم ولاة الأمويين في العراق بتنظيم أداتهم المالية لتحقيق أكبر قدر من الموارد، فاستخدم عبيد الله بن زياد الدهاقين -وهم رؤساء القرى- لخبرتهم بالشئون المالية عن العمال العرب, أيضًا هذا نوع من الأنواع التي لجأ إليها الأمويون من أجل زيادة الأموال التي تجيء إليهم فجعل هناك أيضًا كنوع من الموارد الجديدة أنهم غيروا العمال المسلمين بعمال آخرين يسمون الدهاقين -وهم رؤساء القرى- وذلك من أجل خبرتهم بالشئون المالية من العمال العرب, وهؤلاء إنما يراعون حاجة الدولة من الأموال، وقد لا يراعون حاجة المسلمين؛ ولذلك استخدموهم بدل المسلمين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
4 - النظام المالي في عهد الأمويين وعمر بن عبد العزيز
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد، وعلى آله، وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فقد تحدثنا في المحاضرة السابقة عن النظام المالي في عهد الأمويين، وتبين لنا أنهم لم يقتصروا على الموارد المالية التي كانت موجودة أيام عمر بن الخطاب من: زكاة، وجزية، وخراج، بل زادوا موارد مالية أخرى، ذكرنا منها: الهدايا التي فرضوها على أهل الولايات، والتي كانوا يدفعونها قديمًا في أعيادهم لملوكهم قبل فتح الإسلام لبلادهم، ومن هذه الموارد الجديدة أيضًا: استصلاح الأراضي المعطلة عن الزراعة.
ونواصل الحديث في هذه المحاضرة الجديدة عن هذه الموارد الجديدة، فنقول: واهتم ولاة الأمويين في العراق أيضًا بتنظيم أداتهم المالية؛ لتحقيق أكبر قدر من الموارد، فاستخدم عبيد الله بن زياد الدهاقين -ويقصد بهم رؤساء القرى- لخبرتهم