نطلق عليه وزير الخزانة في الوقت الحاضر, ويطلب منه قرضًا كأنه يطلب القرض لنفسه هو, ويقول له: يا صاحب بيت المال، عندما يحل وفاء الأجل ائت إلي لتأخذ نصيبك, فهذا قرض خاص لي, وكان هذا حرصًّا منه -أي من سيدنا عمر بن الخطاب- على أن يذهب المال إلى المكان المحدد له, وربما خرج عطاؤه فقضاه وطلب من أحد أصحابه أن يقرضه مالًا, فقال له: يا عمر، ما يمنعك أن تقترض من بيت المال؟ فأجابه عمر: إنه إذا مات, وله مدين, ربما غفلوا عن تقاضي ما اقترض, أما صاحبه فإنه لحرصه على ماله يطالب الورثة بماله فيستوفيه وتبرأ ذمة عمر.
هكذا كان حرص عمر بن الخطاب على الأموال التي كانت في بيت المال, إذا أراد المال للإنفاق على مصالح المسلمين يذهب إلى أحد أصحابه ليقترض منه, وعندما سئل لماذا لا تقترض من بيت المال؟ يقول: أخاف أن أموت. القائم على بيت المال أو صاحب المال ربما يتكاسل ولا يطالب بهذا المال؛ لأنه ليس ماله هو وإنما هو مال المسلمين فربما يتكاسل, لكن عندما أخذه من صاحبي فإذا مت فإنه حريص على أمواله وسوف يذهب إلى الورثة فيعطونه هذا المال.
هذه هي سياسية سيدنا عمر بن الخطاب بالنسبة للأموال, ومما تعلقت به همة عمر إحداث أوضاع جديدة اقتضتها حالة التوسع في الفتوح, فهو أول من حمل الدرة, عصا بسيطة, وهو أول من دون الدواوين على مثال دواوين الفرس والروم دونها له عقيل بن أبي طالب وابن نوفل وجبير بن مطعم -كما قلنا- وكانوا من نبهاء قريش لهم علم بالأنساب, وأيام الناس، والديوان الذي نقصده هو الدفتر أو مجتمع الصحف, والكتاب يكتب فيه أهل الجيش وأهل العطية, وعرفوا الديوان أنه موضع لحفظ ما تعلق بحقوق السلطنة من الأعمال والأموال ومن