كثير ممن يحلقون اللحى لا يلتفتون إلى هذا الأمر؛ بسبب تعودهم واستمرائهم لهذا الأمر، وربما كان هذا بسبب تضليل بعض شيوخ السوء وتشويشهم على الأحكام الشرعية في هذا الباب.
وهذا الأمر هو: أن حلق اللحية فيه نوع من التشبه بالنساء، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: (ليس منا من تشبه بالرجال من النساء، ولا من تشبه بالنساء من الرجال).
وفي الحديث الآخر: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل يلبس لبسة المرأة، والمرأة تلبس لبسة الرجل).
وتشبه الرجل بالمرأة أو العكس من الكبائر، فيحرم على الرجل أن يتشبه بالمرأة في أي شيء، سواء في الكلام في الحركة في الملابس في الهيئة، ونحو ذلك.
وقد نص بعض العلماء على أن حلق اللحية فيه تشبه بالنساء، يقول الإمام الغزالي رحمه الله: وبها -يعني: باللحية- يتميز الرجال من النساء.
وقال الإمام المحقق ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى: وأما شعر اللحية، ففيه منافع، منها: الزينة والوقار، والهيبة؛ ولهذا لا يرى على الصبيان والنساء من الهيبة والوقار ما يرى على ذوي اللحى، ومنها: التمييز بين الرجال والنساء.
وقال الكاندهلوي: اللحية: هي المميزة بين الرجل والمرأة؛ إذ الشعور غير اللحية مشتركة بينه وبينها.
فاللحية هي الفارق الأول والمميز الأكبر بين الرجل والمرأة، كما هو مشاهد ومعلوم للجميع.
ولا شك أن الإنسان يستقبح ويستنكر أن المرأة تحلق شعر رأسها؛ لأن هذا شيء يستغرب ويستقبح، وهو مُثْلة.
فينبغي أن يكون لديك نفس الشعور بالضبط إذا رأيت رجلاً قد حلق لحيته، لكن إنكار هذا المنكر لم يعد مصحوباً بالاستنكار المطلوب؛ لكثرة من يحلقون لحاهم، وكما قيل: كثرة المساس تُفقد الإحساس! فلم يعد في قلوبنا نفس هذا الشعور من الاستقباح لهذا المنكر.
وقد جاء في قصة مصرع أبي جهل لعنه الله، قال النبي عليه السلام للصحابة: (من ينظر إلى ما صنع أبو جهل، فانطلق ابن مسعود رضي الله عنه، فوجده قد ضربه ابنا عفراء حتى برد، قال: أأنت أبو جهل؟ فأخذ بلحيته).
متفق عليه.
أي: أن ابن مسعود أخذ بلحية أبي جهل لعنه الله.
فالعرب ما كانت تحلق اللحى، حتى المشركين الذين بعث فيهم النبي عليه الصلاة والسلام كانوا يعفون لحاهم، بل حتى أبو جهل وأبو لهب وغيرهم كانوا يعفون لحاهم قبل الإسلام؛ لأن اللحية من خصال الفطرة، وهي من علامات الرجولة، ولم تكن العرب تعرف حلق اللحية، وما تركت هذه الزينة لا في الجاهلية ولا في الإسلام، وأتى الإسلام فأقرهم عليها، بل وأمر بها أيضاً.
وهناك أثر مروي عن عائشة -ولا أظنه صحيحاً- أنها كانت تقول: (سبحان من زين الرجال باللحى، والنساء بالذوائب)، والمعنى صحيح، فزينة الرجل غير زينة المرأة.
ومما يناسب الإشارة إليه: أن الرجل خلقه الله تبارك وتعالى باللحية؛ لتظهر فيه الرجولة، والرجولة: هي عبارة عن مجموعة من السمات الظاهرة والباطنة كلما اجتمعت هذه السمات، كلما كانت الرجولة والفحولة أتم.
فخصال الرجولة هي أثر من آثار هرمون الذكورة، وهذا الهرمون اسمه: (التستسترون)، وهناك أمراض قد تطرأ على بعض الرجال فينشأ عنها نقص في الرجولة، وهذه الأمراض تكون مصحوبة بسقوط شعر اللحية من الوجه، وهرمون الرجولة إذا حُقنت به أنثى فإنه يؤدي إلى ظهور بعض خصال الذكورة عليها، ومنها نمو اللحية في الوجه، وهذا هو المعروف في الطب، ومما يؤثر من الناحية الطبية: أن اللحية مختصة بالرجال، وأنها الفارق الواضح بين المرأة والرجل!