قال صلى الله عليه وآله وسلم: (البذاذة من الإيمان) رواه أبو داود، وهو حديث صحيح.
(البذاذة): هي رثاثة الهيئة، وليس معنى ذلك أن الإنسان يتكلف حتى يجعل هيئته رثة، لكن الإنسان ينبغي له أن يتواضع في لباسه، وأنواع العبودية تختلف وتتفاوت، فمثلاً: من وسّع الله عليه في الرزق، فلبس من محاسن الثياب بنيّة أن يتحدث بنعمة الله عليه، أو لبس ثياب الأغنياء وهو غني لا يتشبع ولا يكون كلابس ثوبي زور، وإنما هو غني يظهر الغنى حتى إذا رآه الفقراء يعرفون أن هذا غني فيسألونه، ويكون ذلك سبيلاً لتيسير تصدقه على الفقراء، فيعرف بمظهره حتى يأوي إليه الفقراء ويأخذون منه الصدقات، فهذه كلها نوايا حسنة، ولذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام لرجل رآه رث الهيئة: (هل آتاك الله مالاً؟ قال: نعم، قال: من أي المال؟ قال: من كل المال أعطاني الله.
فقال له: من كان له مالاً فليُرَ عليه أثر نعمة الله وكرامته)، فمن شكر النعم أن يظهر الإنسان نعمة الله عليه بإظهار الثياب الحسنة، وهذه نية حسنة صالحة.
ومن الممكن أن يتعبد الإنسان بصورة أخرى؛ لأن العبودية أنواع، وقد يُفتح لإنسان من العبادة ما لا يفتح لغيره، ولا يكون معنى ذلك هو التعارض والتضارب، فمثلاً: إنسان يقدر على شراء الثياب الحسنة، لكنه يتعمد ألا يلبسها؛ لأنه يستحضر قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (من ترك اللباس تواضعاً لله عز وجل وهو يقدر عليه خيّره الله يوم القيامة من حلل الإيمان يلبس من أيها شاء) أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
فهذا يفعل عبودية بالنية من نوع آخر؛ لأنه ينوي بذلك التواضع لله عز وجل، أو ينوي ألا يكسر قلوب الفقراء إذا رأوه بهذه الثياب، فالأمر يتفاوت، ولا يُفهم دائماً من مثل هذه الآداب أن فيها تضارب أو تعارض، بل يمكن للإنسان أن يجمع بين هذا وذاك على اختلاف الأحوال والأشخاص.