أنا لا أفهم المعاملات إلاَّ أنها تحليل أو تحريم، واجبة أو مندوبة أو مباحة، أو مُحرَّمة أو مكروهة، ولها أو عليها ثواب أو عقاب حتى معاملة الرجل لزوجه وقضاء مأربه منها يحكمها الحلال والحرام: «وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، يَأْتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَلَهُ فِيهَا أَجْرٌ؟». الحديث أخرجه مسلم في كتاب الزكاة.
إنَّ الميزة الكبرى التي امتاز بها الإسلام عن غيره من الديانات تظهر بشكل واضح في تنظيمه المعاملات بين الناس من بيع وشراء ورهن وإجارة وقراض ومزارعة ومساقاة ولقطة وشركة ووكالة وشُفعة وحوالة واستقراض وربا وكفالة وهِبَة ونكاح وخصومات وشهادات وصُلح وشروط ووصايا وغير ذلك، حتى الخدمات العامة عنى بها الإسلام، فجعل إزالة الشوكة من الطريق شُعبة مِنْ شُعَبِ الإيمان.
إنَّ الإسلام ارتفع بالمعاملات إلى السماحة والرفق والإحسان، بعد أنْ ثبت أركان الحقوق وحذَّر من المظالم، تدبر معي هذه الحادثة:
خصمان ترتفع أصواتهما على بابه - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهما في الطريق. دائن ومدين، دائن حلَّ ميعاد دَيْنِهِ، فأجَّلَ المَدِينُ غير القادر مرَّةً ومرَّةً، ومدين يعتذر للدائن ويسترفقه، ويطلب منه أنْ يَحُطَّ عنه بعض الدَيْنِ أو يؤجله مرة أخرى، والدائن يقسم ألاَّ يفعل.