عَامًّا لِسَائِرِ أَفْرَادِ الأُمَّةِ - وَهَذَا هُوَ الأَصْلُ - أَمْ أَثْبَتَ حُكْمًا خَاصًّا بِهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ خَاصًّا بِبَعْضِ أَصْحَابِهِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ - وَسَوَاءٌ أَكَانَ فِعْلُهُ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جِبِلَّيًّا أَمْ كَانَ غَيْرَ جِبِلِّيٍّ، فَمَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ يَصْدُرُ عَنْهُ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلاَّ وَيُثَبِِتُ حُكْمًا شَرْعِيًّا، يَجِبُ اعْتِقَادُ ثُبُوتِهِ، بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ كَوْنِهِ إِيجَابًا أَوْ نَدْبًا أَوْ تَحْرِيمًا أَوْ كَرَاهَةً أَوْ إِبَاحَةً، وَبِقَطْعِ النَّظَرِ أَيْضًا عَنْ كَوْنِهِ عَامًّا لِجَمِيعِ الأُمَّةِ، أَوْ خَاصًّا بِالبَعْضِ، كَائِنًا مَنْ كَانَ ذَلِكَ البَعْضُ، وَبِقَطْعِ النَّظَرِ كَذَلِكَ عَنْ كَوْنِهِ مُتَعَلِّقًا بِفِعْلٍ طَبِيعِيٍّ جِبِلِّيٍّ أَوْ بِغَيْرِهِ مِنْ سَائِرِ الأَفْعَالِ الاخْتِيَارِيَّةِ المُخْتَلِفَةِ» (?).
هذه القضية [السُنَّةُ كُلُّهُا تَشْرِيعٌ]، لم يخالف فيها أحد من علماء المسلمين في أربعة عشر قرنًا مضت، ولم نسمع ولم نعلم أَنَّ وَاحِدًا من علماء المسلمين قَسَّمَ السُنَّةَ أي الحديث، إلى تشريع وإلى غير تشريع، حتى كان النصف الثاني من القرن الخامس عشر الهجري، فكان أول من قَسَّمَ السُنَّةَ إلى تشريع وإلى غير تشريع فضيلة المرحوم الشيخ محمود شلتوت في كتابه: " الإسلام عقيدة وشريعة ".
ويقول الدكتور يوسف القرضاوى: «وَعَنْ الشَّيْخِ شَلْتُوتْ أَخَذَ الكَثِيرُ مِنْ المُعَاصِرِينَ فِيمَا كَتَبُوهُ عَنْ السُّنَّةِ وَتَقْسِيمِهَا إِلَىَ تَشْرِيعِيَّةٍ وَغَيْرِ تَشْرِيعِيَّةٍ» (?).
والتحقيق أنَّ الذين ساروا في ركاب الشيخ شلتوت ليسوا كثيرين، فهم حتى اليوم لا يتجاوزون أصابع اليد الواحدة، وسنعرض آرَاءَهُمْ وَشُبَهَهُمْ، ثم نناقشها مناقشة موضوعية علمية إِنْ شاء اللهُ.
ماذا يقول فضيلة الشيخ محمود شلتوت؟
يَقُولُ: «مَا وَرَدَ عَنِ النَّبِىِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَدُوِّنَ فِي كُتُبِ الحَدِيثِ مِنْ أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ وَتَقْرِيرَاتِهِ عَلَى أَقْسَامٍ:
- أَحَدُهَا: مَا سَبِيِلُهُ سَبِيِلُ الحَاجَةِ البَشَرِيَّةِ كَالأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالنَّوْمِ وَالمَشْيِ وَالتَّزَاوُرِ وَالمُصَالَحَةِ بَيْنَ شَخْصَيْنِ بِالطُّرُقِ العُرْفِيَّةِ وَالشَّفَاعَةِ وَالمُسَاوَمَةِ فِي البَيْعِ وَالشِّرَاءِ.
- ثَانِيهَا: مَا سَبِيِلُهُ سَبِيِلُ التَّجَارِبِ وَالعَادَةِ الشَّخْصِيَّةِ أَوْ الاجْتِمَاعِيَّةِ، كَالذِي وَرَدَ فِي شُؤُونِ الزِّرَاعَةِ وَالطَبِّ وَطُولِ اللِّبَاسِ وَقَِصَرِهِ.
- ثَالِثُهَا: مَا سَبِيِلُهُ التَّدْبِيرُ الإِنْسَانِيُّ أَخْذًا مِنَ الظُّرُوفِ الخَاصَّةِ، كَتَوْزِيعِ الجُيُوشِ عَلَى