وَالشُّرْبِ وَالنَّوْمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الأُمُورِ الجِبِلِيَّةِ قَرِينَةً عَلَىَ أَنَّ الفِعْلَ يُفِيدُ الإِبَاحَةَ، لاَ الوُجُوبَ وَلاَ النَّدْبَ» (?). (*).

كما ذكرنا قول إمام الحرمين: «فَالْمُخْتَارُ [إِذَنْ] أَنَّ فِعْلَهُ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لاَ يَدُلُّ بِعَيْنِهِ، وَلَكِنْ يُثَبُتُ عِنْدَنَا وُجُوبَ حَمْلِهِ عَلَى نَفْيِ الحَرَجِ فِيهِ عَنْ الأُمَّةِ، وَمُسْتَنَدُ هَذَا الاخْتِيَارِ [إِلَى] عِلْمِنَا أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللهِ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَوْ اخْتَلَفُوا فِي حَظْرٍ أَوْ إِبَاحَةٍ، فَنَقَلَ النَّاقِلِ فِي مَوْضِعِ اخْتِلاَفِهِمْ فِعْلاً عَنْ المُصْطَفَىَ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَفَهِمُوا مِنْهُ أَنَّهُ لاَ حَرَجَ عَلَىَ الأُمَّةِ فِي فِعْلِهِ. وُجَاحِدُ هَذَا جَاهِلٌ بِمَسَالِكِ النَّقْلِ فَضْلاً عَنْ المَعْنَى وَاللَّفْظِ» (?) (**).

6 - ويستدل المخالف على وجود أفعال للنبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا تشريع فيها بغضبه ورضاه - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيقول: «كَمَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - بِحُكْمِ بَشَرِيَّتِهِ يَرْضَىَ وَيَغْضَبُ، وَقَدْ يَصْدُرُ عَنْهُ فِي حَالِ الغَضَبِ مَا لاَ يَقْصِدُهُ مِنْ قَوْلٍ أَوْ دُعَاءٍ عَلَىَ بَعْضِ النَّاسِ، فَيَجِبُ عَلَىَ أَهْلِ الْعِلْمِ مُرَاعَاةُ ذَلِكَ، وَلاَ يَتَجَاوَزُوا بِهِ هَذَا المَجَالَ إِلَى مَجَالِ التَّشْرِيعِ وَاسْتِنْبَاطِ الأَحْكَامِ». ثم ساق ما رواه " مسلم " عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أن رَسُولَ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَلَبَ مِنْهُ أَنْ يَدْعُو لَهُ مُعَاوِيَةَ، فَجَاءَ فَوَجَدَهُ يَأْكُلُ، فَرَجَعَ، فَقَالَ لِلْنَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هُوَ يَأْكُلُ، قَالَ: «اذْهَبْ فَادْعُ لِي مُعَاوِيَةَ»، فَجَاءَهُ، فَوَجَدَهُ يَأْكُلُ، فَرَجَعَ، فَقَالَ لِلْنَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هُوَ يَأْكُلُ، فَقَالَ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لاَ أَشْبَعَ اللهُ بَطْنَهُ».

كما ساق حَدِيثًا آخَرَ، وراه " مسلم " أَيْضًا، أَنَّ رَجُلَيْنِ دَخَلاَ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَلَّمَاهُ بِشَيْءٍ، فَأَغْضَبَاهُ، فَلَعَنَهُمَا، وَسَبَّهُمَا، فَسَأَلَتْهُ عَائِشَةُ، فَقَالَ لَهَا: «أَوَ مَا عَلِمْتِ مَا شَارَطْتُ عَلَيْهِ رَبِّي؟، قُلْتُ: اللهُمَّ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، فَأَيُّ الْمُسْلِمِينَ لَعَنْتُهُ، أَوْ سَبَبْتُهُ فَاجْعَلْهُ لَهُ زَكَاةً وَأَجْرًا» (¬66). فالمخالف يرى أن هذين الحديثين لا تشريع فيهما، ولكن الراسخين في العلم من الصفوة الأوائل استنبطوا من هذين الحديثين ومن غضبه - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وتصرفه هذا بمقتضى غضبه أَحْكَامًا شرعية جليلة، منها أن الغضب جائز على الأنبياء كما هو جائز على غيرهم من البشر، وأن الغاضب قد يقول ما لا يقصد، وبخاصة إذا كان رحيمًا بالمغضوب عليه كالأم تدعو على ابنها ساعة الغضب، وهي لا تحب له شَرًّا وهي لا تقصد أن تصيبه ما تدعو به عليه، ولذلك قالوا عنها: يدعو لسانها وقلبها يقول: لا. ورسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أرحم بالأُُمَّةِ من الأم على ولدها، مصداقًا لقوله تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015