بالإباحة نوع من العام، كما حدث في استثناء الإذخر من شجر الحرم فأبيح قطعه وَحَرَّمَ قطع غيره، وقد يكون التشريع قَاصِرًا على زمن دون غيره، كما حدث في ادخار لحم الأضحية حيث قال: - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في عام: «مَنْ ضَحَّى مِنْكُمْ فَلاَ يُصْبِحَنَّ بَعْدَ ثَالِثَةٍ وَبَقِيَ فِي بَيْتِهِ مِنْهُ شَيْءٌ» فَلَمَّا كَانَ العَامُ المُقْبِلُ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، نَفْعَلُ كَمَا فَعَلْنَا [عَامَ] المَاضِي؟ قَالَ: «كُلُوا وَأَطْعِمُوا وَادَّخِرُوا، فَإِنَّ [ذَلِكَ] العَامَ كَانَ بِالنَّاسِ جَهْدٌ، فَأَرَدْتُ أَنْ تُعِينُوا فِيهَا» (?).

فالنهي عن الادخار من الأضحية كَانَ مَقْصُورًا عَلَى سُنَّةٍ وَاحِدَةٍ لِسَبَبٍ مِنَ الأَسْبَابِ، ثم رفع الحظر، وأبيح الادخار فيما بعد تلك السَنَةِ، وكل من الحظر والإباحة تشريع خاص بزمن.

3 - استدل المخالف بأثر ابن عباس الذي ذكرناه عند الكلام عَلَى السُنَّةِ عند الفقهاء حيث قال ابن عباس عن قومه: «صَدَقُوا وَكَذَبُوا»، فأثبت فعل النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْرَّمَلِ، وَنَفَى أَنَّهُ سُنَّةٌ، ويقول المخالف: وهذا يعني أمرين في غاية الأهمية.

أولهما: أن ما كان سُنَّةً فهو مطلوب الاتباع.

وثانيهما: أن بعض ما جاء عن النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْسَ بِسُنَّةٍ وهو ما يعبر عنه المعاصرون بأنه ليس للتشريع (?). وهذا خلط بين القضيتين، وإدخال لإحداهما في الأخرى، فكلام ابن عباس حاصله: بعض أفعال النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليست مطلوبة الاتباع، وَهَذِهِ قَضِيَّةٌ مُسَلَّمَةٌ مَحْسُومَةٌ لاَ نُنَاقِشُ فِيهَا، فكل أفعاله التي لبيان الجواز أو الإباحة ليست للتشريع، أي ليست للتشريع الملزم، لكفونا مؤونة النقاش، ولأغلقنا ملف الدعوى، لكن القضية الأخرى موضوع النزاع، بعض أفعال النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليست للتشريع مُطْلَقًا، ولا يثبت بها حكم شرعي أَصْلاً مُلْزِمٌ أَوْ غَيْرَ مُلْزِمٍ، ثم إن أثر ابن عباس المستدل به ليس فيما سبيله العادة والحاجة البشرية، وهي الدعوى التي يتبناها المخالف، وإنما هو في العبادة، في عبادة الحج وهيئاتها، في الرمل في الطواف وفي الركوب في السعي بين الصفا والمروة، وفي السعي نفسه، وفي رمي الجمرات، والمخالف يُسَلِّمُ بأن أفعاله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في أمور العبادات تشريع.

ولو سألناه عن حكم الرمل بالنسبة للصحابة الذين كانوا معه - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والذين

طور بواسطة نورين ميديا © 2015