وأكدنا اهتمام العلماء بمتن الحديث وسنده، وَبَيَّنَّا أن السُنَّةَ لم تكن نتيجة لنضوج الإسلام وتطوره، ووضع الأجيال المتعاقبة كما زعم جولدتسيهر، وأثبتنا أنها التطبيق العلمي للإسلام، الذي تم على يدي رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ورفضنا إدعاء جولدتسيهر الذي يتهم فيه أئمة المذاهب الفقهية بوضع الحديث لدعم مذاهبهم، وأدحضناه بالحجج القوية.
وأدركنا عظمة الجهود التي بذلها الصحابة والتابعون وأهل العلم من بعدهم في سبيل الحفاظ على السُنَّةِ، حينما عرضنا أشهر ما ألف في الرجال والموضوعات، وعرفنا أن المسلمين أعظم أمة في التاريخ اهتمت بتراثها التشريعي، منذ عهد الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وأما تدوين السُنَّةِ فقد عرضنا في الباب الرابع ما روي عن الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الكتابة من أخبار حول منعها وإباحتها، وخلصنا إلى أن الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أباح كتابة الحديث بعد منعها، كما عرضنا ما روي عن الصحابة والتابعين في الكتابة، وانتهينا إلى أن جميع ما روي عنهم حول السماح بتدوين الحديث أو منع تدوينه لم يكن متعارضًا متضاربًا، بل كان متعاضدًا في سبيل حفظ القرآن وَالسُنَّةِ، فمنعوا الكتابة حين خشوا التباس القرآن بِالسُنَّةِ، وانشغال الناس عن القرآن الكريم، وسمحوا بها حين أمنوا ذلك. كما عرفنا خدمة عمر بن عبد العزيز للسنة بتكليفه ابن شهاب الزهري وغيره بجمع الحديث وتدوينه، ثم توزيعه على الأقطار الإسلامية، وعرفنا اهتمامه بِالسُنَّةِ حين أمر المسؤولين في مختلف أقاليم الدولة الإسلامية بالاعتناء بالحديث، وتشجيع العلماء على عقد حلقات دراسته في المساجد، وعرفنا أن مطلع القرن الهجري الثاني كان بداية نهضة علمية في تصنيف الحديث وتبويبه، وقد