الخاتمة:

بعد هذا العرض لحياة السُنَّةِ قبل التدوين، عرفنا في الباب الأول الحقيقية التي كانت عليها السُنَّةُ في عهد الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وعرفنا شخصية الرسول الكريم من حيث هو معلم ومرب، وموقفه من العلم، وسمو منهجه - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - في تبليغ الإسلام وتطبيق أحكامه، وتشجيعه على طلب العلم، ومعاملته أصحابه - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ -، كما عرفنا كيف كان الصحابة يتلقون السُنَّةَ عنه - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وعرفنا إخلاصهم في المحافظة على الشريعة الحنيفية، وبذلهم السخي في سبيل ذلك، وعرفنا عوامل انتشار السُنَّةِ جَنْبًا إِلَى جَنْبٍ مع القرآن الكريم.

وعرفنا في الباب الثاني تأسي الصحابة والتابعين بالرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وتمسكهم بِسُنَّتِهِ، واحتياطهم وورعه في رواية الحديث، وتثبتهم في قبول الأخبار، وَأَنَّ تَشَدُّدَهُمْ في قبول بعض الآثار لم يكن من باب تركهم لِلْسُنَّةِ أو عدم الأخذ بها، بل كان من باب المحافظة عليها، والتثبت والاستيثاق لها، وإذا كان بعضهم في بعض الحالات والمواقف قد طلبوا لقبول الحديث راويين أو غير هذا، فقد كانوا يقبلون في غير تلك الحالات الخبر عن العدل إذا توافرت فيه شروط التحمل والأداء.

ولا يعني تشددهم في قبول الحديث أن لغيرهم أن يتظاهر بالاحتياط لِلْسُنَّةِ، وهو يرفض ما قبلوه، فإنه لا ينبغي أن يتخذ تشددهم ذريعة لترك السُنَّةِ، في حين يجب أن يعتبر توثيقًا لما قبلوه منها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015