لم يوجد له بعد موته إلا كتاب بالفرائض والجراحات (?)، وإذا كانت كتبه التي تركها قليلة ولا تدل على نشاطه العلمي، فإننا نعزو هذا إلى قوة حافظته، لأنه كان يعتمد على الحفظ أكثر من اعتماده على الكتابة، وهذا لا ينافي قط إملاءه لطلابه وحثهم على الكتابة. ويقول الضحاك بن مزاحم (- 105 هـ): «إِذَا سَمِعْتَ شَيْئًا، فَاكْتُبْهُ وَلَوْ فِي حَائِطٍ» كما أنه أملى على حسين بن عقيل مناسك الحج (?).

وانتشرت الكتب حتى قال الحسن البصري (- 110 هـ): «إِنَّ لَنَا كُتُبًا نَتَعَاهَدُهَا» (?). وكان عمر بن عبد العزيز (61 - 101 هـ) يكتب الحديث، روي عن أبي قلابة قال: «خَرَجَ عَلَيْنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ لِصَلاَةِ الظُّهْرِ، وَمَعَهُ قِرْطَاسٌ، ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْنَا لِصَلاَةِ العَصْرِ وَهُوَ مَعَهُ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، مَا هَذَا الكِتَابُ؟ قَالَ: " هَذَا حَدِيثٌ حَدَّثَنِي بِهِ عَوْنُ بْنُ عبْدِ اللَّهِ، فَأَعْجَبَنِي فَكَتَبْتُهُ " ... » (?). وهذا يدل على أن الكتابة قد شاعت بين مختلف الطبقات ولم يعد أحد ينكرها في أواخر القرن الأول الهجري وأوائل القرن الثاني. وقد كثرت الصحف والكتب في ذلك الوقت حتى لنرى مجاهد بن جبر (- 103 هـ) يسمح لبعض أصحابه أن يصعدوا إلى غرفته فيخرج لهم كتبه فينسخون منها (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015