الاِمْتِنَاعَ عَنْ الإِكْتَابِ مِنْ هَذَا الجِيلِ، فَيُؤَوَّلُ اِمْتِنَاعُهُمْ بِمَا لاَ يُخَالِفُ مَا انْتَهَيْنَا إِلَيْهِ، فَهُمْ جَمِيعًا فُقَهَاءُ (?) وَلَيْسَ بَيْنَهُمْ مُحَدِّثٌ لَيْسَ بِفَقِيهٍ، وَالفَقِيهُ يَجْمَعُ بَيْنَ الحَدِيثِ وَالرَّأْيِ، فَيَخَافُ تَقْيِيدَ رَأْيِهِ وَاجْتِهَادِهِ إِلَى جَانِبِ أَحَادِيثِ الرَّسُولِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» (?)، ويوضح هذا بأمثلة تثبت ما ذهب إليه، فيقول: «إننا نجد في الواقع أخبارًا تَرْوِي كراهتهم لكتابة الرأي، كاعتذار زيد بن ثابت عن أن يكتب عنه كُتَّابُ مروان ... وجاء رجل إلى سيعد بن المسيب - وهو من الفقهاء الذي رُوِيَ عنهم امتناعهم عَنْ الإِكْتَابِ - فسأله عن شيء فأملاه عليه، ثم سأله عن رأيه فأجابه، فكتب الرجل، فقال رجل من جلساء سعيد: «أَيُكْتَبُ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ رَأْيُكَ؟ فَقَالَ سَعِيدٌ لِلْرَّجُلِ: " نَاوِلْنِيهَا "، فَنَاوَلَهُ الصَّحِيفَةَ فَخَرَقَهَا» (?)، وَقِيلَ لِجَابِرٍ بْنَ زَيْدٍ: إِنَّهُمْ يَكْتُبُونَ رَأْيَكَ، قَالَ: «تَكْتُبُونَ مَا عَسَى أَرْجِعَ عَنْهُ غَدًا؟» (?).

وكل هذه الأقوال رويت من علماء، حَدَّثَ المؤرخون عنهم أنهم كرهوا إكتاب الناس، وهي تدل دلالة صريحة على أن الكراهة ليست في كتابة العلم أي الحديث، [بل] في كتابة الرأي، وأن [الأخبار] التي وردت في النهي دون تخصيص إنما قصد بها الرأي خاصة. ويشابه هذا الأمر ما حدث في أمر كراهة الرسول والصحابة الأولين: من التباس الحديث بالقرآن، أو الانكباب عليه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015