هو من السنة، وإن عدم كتابته لمرضه لا ينسخ أنه قد هَمَّ به، وكان في آخر أيام حياته - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - الكتابة في أوقات مختلفة، ولمواضيع كثيرة، في مناسبات عدة، خاصة وعامة.
وإذا كانت الأخبار الدالة على إباحة الكتابة منها خاص كخبر أبي شَاهٍ، فإن منها أَيْضًا ما هو عام لا سبيل إلى تخصيصه، كسماحه لعبد الله بن عمرو بالكتابة وللرجل الأنصاري الذي شكا سوء حفظه. ويمكن أن نستشهد في هذا المجال بخبر أنس ورافع بن خديج وإن تكلم فيهما، لأن طرقهما كثيرة يُقَوِّي بعضها بعضًا، وللعلماء مع هذا آراء في هذه الأخبار سأوجزها فيما يلي:
حاول العلماء أَنْ يُوَفِّقُوا بين ما ورد من نَهْيٍ عن الكتابة وما وري من إباحة لها، وترجع آراؤهم إلى أربعة أقوال:
الأول: قال بعضهم إن حديث أبي سعيد الخدري موقوف عليه فلا يصلح للاحتجاج به وَرُوِيَ هذا الرأي عن البخاري وغيره (?)، إلا أننا لا نسلم بهذا لأنه ثبت عند الإمام مسلم، فهو صحيح، ويؤيد صحته ويعضده ما رويناه عَنْ أَبِي سَعِيدٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: رَوَاهُ أَبُو سَعِيدٍ نَفْسَهُ إذْ يَقُولُ: «اسْتَأْذَنْتُ النَّبِيَّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ أَكْتُبَ الحَدِيثَ، فَأَبَى أَنْ يَأْذَنَ لِي» (?).
الثاني: أن النهي عن الكتابة إنما كان في أول الإسلام مخافة اختلاط الحديث بالقرآن، فلما كثر عدد المسلمين، وعرفوا القرآن معرفة رافعة للجهالة وميزوه من الحديث - زال هذا الخوف عنهم، فنسخ الحكم الذي كان مترتبًا