المثالية في الحق، وهي جرأة لم ترض لهم أن يسكتوا عن آبائهم وأعز الناس إليهم إذا انحرفوا عن سواء السبيل، ولم يكن يخيفهم آنذاك سلطان الحاكم، ولا نفوذ القوي، بل كثيرًا ما كانوا يعترضون على الحكام والعلماء وغيرهم، يبينون وجه الحق، لا يخافون فيه لومة لائم. وإن التاريخ الإسلامي ليعتز بذلك الجيل الذي تمثل الإسلام، وعمل به فكان قدوة حسنة للأجيال التالية، وإن هذا كله ليدفع كل شبهة تحوم حول إيقاع الصحابة في نار الوضع (?).
وكما نفينا عن الصحابة انغماسهم في الوضع ننفي عن كبار التابعين وعلمائهم ذلك أَيْضًا ونقرر أنه إذا حصل الوضع في النصف الأول من القرن الهجري الأول، فإنما صدر عن بعض المستهترين الجاهلين من طبقة التابعين وأتباع التابعين، الذين حملتهم الخلافات السياسية والأهواء الشخصية على انتحال الكذب، ووضع الأحاديث على رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وفي هذا العصر - عصر التابعين - كان الوضع أقل من الوضع في عصر أتباع التابعين، لكثرة الصحابة الذين مَارَسُوا السُنَّةَ وَبَيَّنُوا السَّقِيمَ مِنَ الصَّحِيحِ، ولعدم تفشي التحلل والكذب في الأمة، لقربها من عصر الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، إذ لا تزال متأثرة بتوجيهاته، محافظة على وصاياه، تعمها التقوى والورع والخشية، كل هذا خفف من انتشار الكذب والوضع، إلى جانب أن دواعي الوضع وأسبابه كانت ضيقة محدودة في نشأتها الأولى، ثم كثرة وازدادت فيما بعد.