السُنَّة قد حفظت على أحسن وجه، بفضل حُفَّاظها وعلمائها، لهذا توزعت مادة البحث في مراجع كثيرة، في كتب الحديث وشروحها، وكتب مصطلحه وعلومه، وفي تراجم الرُواة، وكتب التاريخ والأصول وغيرها، وإذا كانت هذه النتف تشكل معظم مادة الموضوع، فإنها لا تعطي - كما هي - صورة كاملة عن حقيقة السُنَّة وحفظها آنذاك.
هكذا أقدمت على دراسة السُنَّة في تلك الفترة، من خلال أمهات المصادر، المخطوط منها والمطبوع، قديماً وحديثاً، ويممت شطر أمهات دور الكتب العامة والخاصة، في دمشق وحلب والقاهرة .. ورجعت إلى مخطوطات نادرة، كما صَوَّرْتُ بعض المخطوطات من البلاد التي لم تتيسَّرْ لي زيارتها، فكان البحث شاقاً من جهة، ويتطلَّب الدقة من جهة أخرى، واضحاً حيناً، ومُعَقَّداً أحياناً، ومع هذا تابعت البحث بروح علمية، يحدوني الصبر، وتعللني ومضات الأمل. وكان لإشراف فضيلة الأستاذ علي حسب الله وتشجيعه، أثر طيب في إخراج هذا الموضوع بثوب جديد، يصوِّرُ السُنَّة في تلك الفترة تصويراً دقيقاً، من حيث عناية الأمَّة بها وحفظها، والاهتمام بنقلها، والتثبت في روايتها على أسلم القواعد العلمية، وكتابتها ونشاط العلماء في تبليغها، وحرصهم على صيانتها، وعوامل انتشارها، ودراسة الأسباب التي كادت تسيء إليها، وجهود العلماء في سبيل حفظها.
وقد تعرضتُ لكثير من الشبهات والآراء، وناقشتها، ورددت عليها، وبيَّنت وجه الحق مدعماً بالأدلة والبراهين، فكان الموضوع في تمهيد وخمسة أبواب وخاتمة.