هذا وقد أدى مع الأسف هذا الصراع إلى نتيجتين خطيرتين فيما يتعلق بالسُنَّة:

أولاهما: ما فتحه رؤساء المعتزلة من ثغرات في مكانة الصحابة استطاع أنْ يَلِجَ المتعصبون من المستشرقين ويَجْرُؤُا على رميهم بالكذب والتلاعب في دين الله مستدلين إلى ما افتراه النَظَّام وأمثاله عليهم، وقد تبع المستشرقين في هذا بعض كُتَّابِ المسلمين كأحمد أمين وأَبِي رِيَّةَ وغيرهما.

ثانيهما: أنَّ جمهور المعتزلة كانوا في الفقه على مذهب الإمام أبي حنيفة وأصحابه حتى أنَّ بِشْر المريسي كان من أبرز رؤوس المعتزلة في عصره: قالوا إنه كان في الفقه على رأي أبي يوسف (?).

فلما أشرعت الخصومة بين أهل الحديث وأهل الاعتزال جَرَّحَ المُحَدِّثُونَ كُلَّ من قال بخلق القرآن، وجرَّ ذلك بعض المُغالين منهم إلى أَنْ يُجَرِّحَ كثيراً من أصحاب أبي حنيفة بِحُجَّةِ أنهم يقولون بالرأي. ولا ذنب لهم إلاَّ أنَّ مذهب أبي حنيفة كان مذهب خصومهم المعتزلة، حتى إنَّ الإمام أبا حنيفة نفسه لم يسلم من أذى الذين جاؤوا بعده من أولئك المُحَدِّثِينَ، فلقد نسبوا إليه القول بخلق القرآن مع أن الثابت عنه بنقل الثقات غير ذلك ومع أن محمد بن الحسن كان يقول: «مَنْ صَلَّى خَلْفَ المُعْتَزِلِيَّ يُعِيدُ صَلاَتَهُ».

هذا وقد وجد قديمًا بعض الأشخاص أو بعض الفرق التي طعنت في السُنَّة ولكنها انهزمت وَضَمَّهُمْ الدهر إليه بنهاية القرن الثاني أو على الأكثر بنهاية القرن الثالث ولم تقم لها قائمة بعد ذلك. وقد أحييت الفتنة مَرَّةً أخرى في القرن الماضي بتأثير الاستعمار الغربي كما سنراه قريبًا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015