رفعها فأبطل الطرق الدالة عليها فأنكر لأجل ذلك حجية الإجماع وحجية القياس في الفروع الشرعية وأنكر الحُجَّةَ من الأخبار التي لا توجب العلم الضروري ... كما عاب أصحاب الحديث وروايتهم أحاديث أبي هريرة، وزعم أن أبا هريرة كان أكذب الناس وطعن في الفاروق عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - وزعم أنه شك يوم الحديبية في دينه وشك يوم وفاة النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأنه ضرب فاطمة وابتدع صلاة التراوايح، وطعن في عثمان لاستعماله الوليد بن عقبة على الكوفة حتى صلى بالناس وهو سكران، وطعن في عَلِيٍّ وابن مسعود ونسب الصحابة إلى الجهل والنفاق ... إلى آخر هذيانه (?).
ومنه نرى أنَّ المعتزلة ما بين شاك في عدالة الصحابة منذ عهد الفتنة كـ (واصل) وما بين مُوقِنٍ بفسقهم كـ (عمرو بن عبيد) وما بين طاعن في أعلامهم مُتَّهِمٌ لهم بالكذب والجهل والنفاق وذلك يوجب رَدَّهُمْ - على زعمهم - للأحاديث التي جاءت من طريق هؤلاء الصحابة (?).
ما أسخف هذا الدليل وما أوهى هذا الاستدلال فيا لله لدواوين السُنَّة وكتب الحديث، نعوذ بالله من الخذلان واستحواذ الشيطان من لم يهده فلا هادي له.
«وقد كان موقف المعتزلة من السُنَّة هذا الموقف المتطرف المباين لعقيدة جمهور المسلمين أثر كبير في الجفاء بين علماء السُنَّة ورؤوس المعتزلة، تراشق على أثره الفريقان التُّهَمَ، فالمعتزلة يرمون المُحَدِّثِين بروايتهم الأكاذيب والأباطيل - على زعمهم -، وبأنهم زوامل للأخبار لا يفهمون ما يروون ... بينما يَتَّهِمُ المُحَدِّثُونَ أئمة الاعتزال بالفسق والفجور والابتداع في الدين والقول بآراء ما نزَّلَ الله من سلطان».