كان رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يتأخر عن إجابته لما يسأل لما عرف من حرصه على طلب العلم، قال ذات يوم: يَا رَسولَ الله مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ فَقَالَ: «لَقَدْ ظَنَنْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَنْ لاَ يَسْأَلَنِي عَنْ هَذَا الحَدِيثِ أَحَدٌ أَوَّلُ مِنْكَ؛ لِمَا رَأَيْتُ مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الْحَدِيثِ، أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله خَالِصًا مِنْ [قِبَلِ نَفْسِهِ]» (?).
قد عرف الصحابة منزلته بعد رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فكان يُحَدِّثُ في مسجد رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ويفتي الناس بحضرة علماء وكبارهم وكان أمينًا في حديثه عن الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وإذا قال في شيءٍ برأيه قال: «هَذَا مِنْ كِيسِي» وقد روى عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كثيرًا وكان يقول: «مَا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدٌ أَكْثَرُ حَدِيثًا عَنْهُ مِنِّي إِلاَّ مَا كَانَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، فَإِنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ، وَلاَ أَكْتُبُ» وقد شهد له إخوانه أصحاب رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بكثرة سماعه وأخذه عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهذه الشهادات تدفع كل ريب أو ظن حول كثرة حديثه حتى أَنَّ بعضهم رَوَوْا عنه لأنه سمع عن النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولم يسمعوا.
رَوَى أَشْعَثُ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا أَيُّوبَ الأَنْصَارِي يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقِيلَ لَهُ: أَنْتَ صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتُحَدِّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؟ فَقَالَ: «إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَدْ سَمِعَ مَا لَمْ نَسْمَعْ، ... » (?).
وكان حافظًا ضابطًا لما يُرْوَى، اجتمعت فيه صفتان عظيمتان تتم إحداهم الأخرى، الأولى سعة علمه وكثرة مروياته والثانية قوة ذاكرته وحسن ضبطه، وهذا غاية ما يتمناه أولو العلم.