أبى بكرٍ، حدثنا حَمّادٌ هو ابنُ زَيدٍ، عن أبى غالِبٍ قال: كُنتُ بالشّامِ فبَعَثَ
المُهَلَّبُ سِتّينَ رأْسًا مِنَ الخَوارجِ، فنُصِبوا على دَرَجِ دِمَشقَ، وكُنتُ على
ظَهرِ بَيتٍ لِى، إذ مَرَّ أبو أُمامَةَ فنَزَلتُ فاتَّبَعتُه، فلَمّا وقَفَ عَلَيهِم دَمَعَت عَيناه
وقالَ: سُبحانَ اللهِ! ما يَصنَعُ الشَّيطانُ ببَنِى آدَمَ؟ ! ثَلاثًا، كِلابُ جَهَنَّمَ،
كِلابُ جَهَنَّمَ، شَرُّ قَتلَى تَحتَ ظِلِّ السَّماءِ، ثلاثَ مَرّاتٍ، خَيرُ قَتلَى مَن
قَتَلوه، طوبَى لِمَن قَتَلَهُم أو قَتَلوه. ثُمَّ التَفَتَ إلَىَّ فقالَ: يا أبا غالِبٍ
أعاذَكَ اللهُ مِنهُم. قُلتُ: رأيتُكَ بَكَيتَ حينَ رأيتَهُم. قال: بَكَيتُ رَحمَةً؛
رأيتُهُم كانوا مِن أهلِ الإِسلامِ، هَل تَقرأُ سورَةَ "آلِ عِمران"؟ قُلتُ: نَعَم.
فقَرأ: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ} حَتَّى بَلَغَ:
{وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران: 7]. وِإنَ هَؤُلاءِ كان فى قُلوبِهِم زَيغٌ وزِيغَ
بهِم. ثُمَّ قرأ: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا} إلَى قَولِه: {فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [آل عمران: 105 - 107]. قُلتُ: هُم هَؤُلاءِ يا أبا أُمامَةَ؟ قال:
نَعَم. قُلتُ: مِن قِبَلِكَ تَقولُ، أو شَىءٌ سَمِعتَه مِن رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: إنِّى
إِذَنْ لَجَرِىءٌ، بَل سَمِعتُه لا مَرَّةً ولا مَرَّتَينِ. حَتَّى عَدَّ سَبعًا، ثُمَّ قال: إنّ بَنِى
إسرائيلَ تَفَرَّقوا على إحدَى وسَبعينَ فِرقَةً، وِإنَّ هذه الأُمَّةَ تَزيدُ عَلَيهِم فِرقَةً،
كُلُّها فى النّارِ إِلَّا السَّوادَ الأعظَمَ. قُلتُ: يا أبا أُمامَةَ ألا تَرَى ما يَفعَلونَ؟
قال: عَلَيهِم ما حُمِّلوا وعَلَيكُم ما حُمِّلتُم (?).