وُجُوه الْبر فَذكرُوا انه كَانَ ذَات يَوْم مفكرا فِي خلاصه على أَي وَجه يحسن فَدخل عَلَيْهِ فَقير فَسلم عَلَيْهِ وَسَأَلَهُ أَن يكْتب لَهُ شَفَاعَة الى صَاحب جَابر الْحَادِث بِأَن يركبه فِي بعض الجلائب الى جدة فَكتب لَهُ الْفَقِيه وَلما فرغ قَالَ الْفَقِير يَا فَقِيه اجد فِي نَفسك كلَاما واجدك متقلقا وَقد احببت ان اسمعك ابياتا اتوافق الْمَعْنى وَهِي ... كن عَن همومك معرضًا ... وكل الامور الى القضا
وَابْشَرْ بعاجل فُرْجَة ... تنسى بهَا مَا قد مضى
فلربما اتَّسع الْمضيق ... وَرُبمَا ضَاقَ الفضاء
ولرب امْر مسخط ... لَك فِي عواقبه رضَا
الله يفعل مَا يَشَاء ... فَلَا تكن متعرضا ... فَوَقع فِي نفس الْفَقِيه التّرْك لِلْمَسْجِدِ والزهد بِجَمِيعِ العلائق ثمَّ جعل يفكر بالابيات سَاعَة ثمَّ افاق فَلم يجد الْفَقِير فَطَلَبه وامر من يتبعهُ الطّرق فَلم يُوجد فَخرج الْفَقِيه من فوره عَن الْمَسْجِد سائرا قَاصِدا فوصل بَلَده فَمر بالجبيرية الْمُقدم ذكرهَا من نَاحيَة المحالب وانه كَانَ بهَا تلميذ لابيه فَلَقِيَهُ وعزمه وادخله الْمَسْجِد فَبَيْنَمَا يذهب الْبَيْت بامر اهله
بتهيئة للاصلاح لدُخُول الْفَقِيه فحين دخل الْمَسْجِد احرم بالصلوة ثمَّ لما ركع رفع رَأسه شاخصا ببصره الى السَّمَاء حَتَّى انْقَضى النَّهَار ثمَّ بقى مطرقا لَا يُجيب وَلَا يتَكَلَّم فَحمل عَن الْمَسْجِد الى بَلَده فَادْخُلْ بَيته فاقام سنة لَا يكَاد يفهم مِنْهُ امْر وَلَا اكل طَعَاما غير شربة لبن ثمَّ فتح عَلَيْهِ عقب ذَلِك بمكاشفات وكرامات وبكلام فِي الْحَقِيقَة مِنْهُ لدغات الْغَفْلَة فِي قلب العَبْد المراقب اعظم من لدغات الْحَيَّات والعقارب واقام سنة أُخْرَى لم يَأْكُل شَيْئا وَفِي السّنة الَّتِي مَاتَ فِيهَا لبث سَبْعَة اشهر لم يذقْ طَعَاما ثمَّ اكرهه اهله قبل مَوته بسبعة ايام على طَعَام وَكَانَت وَفَاته مَعَ ذَلِك يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَانِي