التجمل فَلم يجزموا على كَثْرَة ملازمته وعادوا الْبَلَد وسلطانها يَوْمئِذٍ الْمَعْرُوف بالأكحل فوصل القَاضِي إِلَيْهِ وأعيان من خرج مَعَه وَأَخْبرُوهُ بقدوم الْفَقِيه وَأَنه عَالم كَبِير وَأَنَّهُمْ مضطرون إِلَى مثله ينْتَفع النَّاس بِهِ ويتفقهون عَلَيْهِ قَالَ وَمَا الْغَرَض قَالُوا تخرج إِلَيْهِ بِنَفْسِك وتلازمه بِالْوُقُوفِ فَلَعَلَّهُ يقبل مِنْك فأجابهم إِلَى ذَلِك وَخرج بموكبه حَتَّى أَتَى خيمة الْفَقِيه وَسلم عَلَيْهِ وَالْتَزَمَهُ فِي الْوُقُوف مَعَه وَشرط لَهُ على ذَلِك أَن يفعل لَهُ مَا أحب فاستحى الْفَقِيه وَأجَاب إِلَى ذَلِك فَحمل قماش الْفَقِيه من الْفَوْر من الْمركب إِلَى الْبَلَد وَأنزل فِي دَار لَائِق بِهِ ثمَّ أقبل على التدريس وَنشر الْعلم فتسامع النَّاس بِهِ إِلَى حضر موت ونواحيها فقصدوه وَأخذُوا عَنهُ الْفِقْه وَغَيره بِحَيْثُ لم ينتشر الْعلم عَن أحد بِتِلْكَ النَّاحِيَة كَمَا انْتَشَر عَنهُ وأعيان فقهائها أَصْحَابه وَأَصْحَاب أَصْحَابه فَمِمَّنْ تفقه بِهِ أَحْمد بن مُحَمَّد بن صمع الْآتِي ذكره ثمَّ أَبُو مَرْوَان وَحج من مرباط فَأخذ عَنهُ بِمَكَّة وزبيد وَغَيرهمَا من الْبِلَاد الَّتِي مر بهَا وَلما أحدث بهَا حمد بن مُحَمَّد الحبوضي ظفار بعد وَفَاة السُّلْطَان الْمَذْكُور على حَيَاة هَذَا الْفَقِيه وَأمر أهل مرباط بالانتقال إِلَيْهَا وَذَلِكَ سنة عشْرين وسِتمِائَة تَقْرِيبًا فابتنى الْفَقِيه بَيْتا بظفار وَكَانَ يتَرَدَّد بَينهَا وَبَين مرباط لِئَلَّا ينْسب إِلَى مُخَالفَة السُّلْطَان فأخرب أَحْمد بن مُحَمَّد بن غَالب بيُوت مرباط إِلَّا بَيت هَذَا الْفَقِيه إجلالا لَهُ وَعمر طَويلا وَكَانَت وَفَاته نَحْو ثَلَاثِينَ وسِتمِائَة بمرباط وقبر بمقبرتها وَإِلَى جنبه قبر تَاجر يُقَال لَهُ أبافير بخفض الْفَا وَسُكُون الْيَاء الْمُثَنَّاة من تَحت ثمَّ رَاء وَكَانَ تَاجِرًا من أهل الدّين وَالدُّنْيَا يقوم بكفاية الطّلبَة الَّذين يصلونَ على الْفَقِيه وَإِن كَثُرُوا فِي الْغَالِب وقلما كَانَ يدْخل الْمَدِينَة مرباط أحد إِلَّا وَكَانَ عَلَيْهِ تفضل فَإِنَّهُ كَانَ لَهُ دَار على بَاب الْبَلَد فَلَا يدْخل فِي الْغَالِب دَاخل إِلَّا وتكرم فِيهَا على مَا يَلِيق بِحَالهِ وَلم أتحقق تَارِيخه وَإِنَّمَا ذكرته لما كَانَ فِيهِ من الْخَيْر وَالْفضل وقبره إِلَى جنب قبر الْفَقِيه بَينهمَا أَذْرع قَليلَة فَأَخْبرنِي الْخَبِير أَنه تُوجد فَأْرَة تخرج من أحد القبرين وَتدْخل فِي الآخر قبر الْفَقِيه وقبر هَذَا ويفوح عِنْد خُرُوجهَا رَائِحَة الْمسك والواصلون إِلَى هُنَالك يتبركون بتربتهما ويقصدونهما للزيارة من بعد
ثمَّ قد عرض مَعَ ذكر الْفَقِيه ذكر السُّلْطَان وقاضيه فقد أوردت مَا كَانَ مِنْهُمَا فِي حق الْفَقِيه لنَنْظُر فُقَهَاء زَمَاننَا وحكامه كَيفَ لم يداخل القَاضِي حسد كَمَا هُوَ مَنْظُور فِي غالبهم أعين الْقُضَاة وَلم أعرف اسْمه وَكَذَلِكَ السُّلْطَان لم يستكبر على أهل بَلَده