لأجل أن يوجب علينا بذل أضعاف هذا المال مع الأنفس لأجل إعادتها لنا وهو مشكوك فيه؛ لأنه يتوقف على وحدة الأمة العربية وتجديد قوتها بالطرق العصرية، وأنى يكون ذلك لها وقلب بلادها وشرايين دم الحياة فيها في قبضة غيرها؟! فالذي يبيع أرضه لليهود في فلسطين أو في شرق الأردن يُعدّ جانياً على الأمة العربية كلها، لا على فلسطين وحدها.

ولا عذر لأحد بالفقر والحاجة للمال للنفقة على العيال، فإذا كان الشرع يبيح السؤال المحرم عند الحاجة الشديدة، ويبيح أكل الميتة والدم ولحم الخنزير للاضطرار، وقد يبيح الغصب والسرقة للرغيف الذي يسدّ الرمق ويقي الجائع من الموت بنية التعويض، فإن هذا الشرع لا يبيح لمسلم ببيع بلاده، وخيانة وطنه وملته لأجل النفقة على العيال، ولو وصل إلى درجة الاضطرار، إنْ فرضنا أن الاضطرار إلى القوت الذي يسدّ الرمق يصل إلى حيث لا يمكن إزالته إلا بالبيع لليهود وسائر أنواع الخيانة، فالاضطرار الذي يبيح أمثال ما ذكرنا من المحظورات أمر يعرض للشخص الذي أشرَفَ على الموت من الجوع وهو يزول برغيف واحد مثلاً، وله طرق ووسائل كثيرة.

وإنني أعتقد أن الذين باعوا أرضهم لهم لم يكونوا يعلمون أن بيعها خيانة لله ولرسوله ولدينه وللأمة كلها، كخيانة أهل الحرب مع الأعداء لتمليكهم دار الإسلام وإذلال أهلها، وهذا أشد أنواعها.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ. وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} [الأنفال: 27] » (?) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015