يقُص علينا من نبئه ما يبعث مَنسِيَّ الشَّجَن، ويُنسي لذَّة الوَسَن، يُذَكِّر محظورَ السُّنن! فهل مِن مُدَّكِر؟
- ومِمّا لا شك فيه -مما كتمه -أيضاً- ناقلو الفُتيا المُشِيعون لها- أنَّ هذا كلَّه مَنُوطٌ بالقدرة والاستطاعة؛ لقوله -تعالى-: {لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا} ، ولقوله -سبحانه-: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُم} ، فإن لم يَجِد المسلمُ أرضاً يأوي إليها غير الأرض التي هو فيها؛ يَأمَنُ فيها على دينه، وينجو من الفتنة الواقع فيها، أو حيلَ بينه وبين الهجرة بأسباب مانعةٍ قاهرةٍ لا يستطيعُ تذليلَها، أو استوت الأرضُ كلُّها في الأسباب والدَّواعي الموجبة للهجرة، أو عَلِمَ في نفسه أنَّ بقاءَه في أرضه آمَنُ لدينه ونفسِه وأهلِه، أو لم يكن من مُهاجَر إلاّ إلى أرض يُحكَم فيها بالكُفر الصُّراح علانيةً، أو كان بقاؤه في أرضه المأذونِ له بالهجرة منها مُحَقِّقاً مصلحةً شرعيّةً، سواءٌ أكانت هذه المصلحةُ للأمَّة، أم بإخراج أهل الكفر من كفرهم، وهو لا يخشى الفتنةَ على نفسه في دينه، فهو في هذه الأحوال كلِّها، وفي الأحوال التي تُحاكيها، ليس في وُسعه إلا أن يبقى مُقيماً في أرضه، ويُرجَى له ثوابُ المهاجرين، فراراً بدينهم، وابتغاءَ مرضاةِ ربِّهم.
قال الإمامُ النَّوويُّ في «الرَّوضة» (10/282) -مُتَمِّماً كلامه الذي نقلتُه عنه-قَبْلُ-:
« ... فإن لم يَقْدِر على الهجرة فهو مَعذورٌ إلى أن يَقدِرَ» .
- ويُقالُ في أهل فلسطينَ -خصوصاً- ما يُقال في مثل هؤلاء جميعاً، فلقد سُئل الشيخُ -حفظه الله- عن بعض أهل المدن التي احتلّها اليهود عام 1948م، وضَرَبوا عليها صبغةَ الحُكم اليهودي بالكليّة، حتى صار أهلُها فيها إلى حالٍ من الغُربة المُرْمِلَةِ في دينهم، وأضْحَوا فيها عَبَدَةً أذلاّءَ؟ فقال: هل في قُرى فلسطين أو في مُدُنِها قريةٌ أو مدينةٌ يستطيع هؤلاء أن يَجِدُوا فيها دينَهم،