وكانت حيفا سريعة النمو في عمرانها، فهي مرفأ فلسطين الأول، ولتحقيق أهدافه الجهادية ضد اليهود دخل الانتخابات في جمعية الشبان المسلمين، وانتخب رئيساً لها، ثم طلب أن يكون خطيباً ومدرساً، ولأنه كانت له قدرة فائقة على ذلك، أسندت إليه هذه المهمة في جامع الاستقلال، ثم طلب تعيينه مأذوناً شرعياً، فتم له ما أراد، وأخذ يخرج إلى القرى ويدرس نفسية الشعب، ويدعو للمحبة والوفاق، والعودة إلى مبادئ الدين الإسلامي الحنيف، ولاحظ أن حكومة الانتداب تسعى لتعميق الخلافات على طريقتها المعروفة (فرق تسد) ، فبدأ ثورته بتأليف القلوب، ونشر المحبة وإزالة الخصومات، وقام بتأسيس مدرسة ليلية لتعليم الأميين من العرب، فكانت مكاناً لتجميع الناس وبث فكرة الجهاد فيهم، واستمر على ذلك وأسس جمعية لذلك، وجمع التبرعات، ودرَّب من انضم إليه تدريباً عسكرياً بعد أن هيأه دينياً لذلك.

ثم وبعد أسبوعين من مهاجمة قوات البوليس الإنجليزي للمتظاهرين العرب في القدس، وفي ليلة 12 تشرين الثاني 1935م، جمع القسام إخوانه في حيفا، وأبلغهم أنه قرر إعلان الجهاد المقدس، واختار أرض المعركة في المناطق الجبلية، فتوجه موكب المجاهدين إلى جبال جنين، وكان الاستعمار يراقب تحركات القسام بواسطة الخونة، وبعد يومين -أي: في 14 تشرين الثاني- ارتكب أحد مناضلي القسام خطأً كان سبباً في افتضاح أمر الثورة قبل إعلانها رسمياً.

وكانت خطة القسّام أن يتوزع رجاله على قرى المناطق الجبلية، حتى يضموا إليهم أكبر عدد من المناضلين، حتى إذا اكتمل العدد الذي يريد هاجم مدينة حيفا، واحتل دوائر الحكومة ومراكز الشرطة والميناء، وبعد أن يستتب له الأمر، يعلن قيام الحكومة العربية، ويكون أعوانه في المدن الأخرى قد قاموا بذات عملية الاحتلال، فينتهي بذلك مأساة تهويد فلسطين، التي لم تحل دونها حتى الآن جميع المفاوضات والاحتجاجات والمظاهرات.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015