والمشاركين في أحاديث هذه المجالس، ولما أعاد افتتاح مدرسته، وجعلها مدرسة شرعية، فكانت نواة الكلية الشرعية، كلفني تدريس التاريخ والأدب، وكان من الطلاب جماعة صاروا اليوم من كبار الأساتذة، وصار منهم من هو أعلم مني، من هؤلاء الدكتور عبد الحميد الهاشمي، ثم كان منهم لما صارت كلية رسمية، الأستاذ محمد القاسمي، والدكتور أديب صالح، والأستاذ أحمد الأحمد، والأستاذان الجنادي والخطيب، وكان منهم حيناً الدكتور وهبي الزحيلي، وعبد الرحمن رأفت الباشا، وكان بين الطلاب طالب بلحية طويلة، علمت بعد أنه ليس من أهل السنة والجماعة، رأيته مرة يغش في الامتحان، فقلت له: إن عاقبتك العقوبة التي تستحقها منعتني لحيتك، وإن سكت عنك وكرمتك حجزتني سرقتك، فماذا أصنع لك؟
ومما وقع لي يوم الامتحان، أني كنت أراقب الطلاب، وما كانوا يحتاجون إلى مراقبة دقيقة، إذ كان عددهم قليلاً، وكان وقت الامتحان طويلاً، ووجدت أمامي «الكامل» للمبرد، فجعلت أقرأ فيه، وطال الوقت، وقرأت منه نحواً من ثلاثين صفحة.
فلما خرجت وانتهى الامتحان، دعاني الشيخ كامل لحضور امتحان الأدب، وكان في كتاب «الكامل» ، وكان الطلاب قد قرؤوا منه ما لا يزيد عما قرأته آنفاً، وكانت اللجنة مؤلفة من أستاذنا سليم الجندي، والأستاذ الشيخ عبد الحميد القنواتي، وأظن أن الثالث الأستاذ عز الدين التنوخي -رحمهم الله جميعاً-، فكان الطالب يقرأ، فيمر بالأبيات فأسأله أو يسأله غيري عن تفسير كلمة فيها، أو شرح جملة، فإذا وقف، قلت له: أذكر أن هذا التفسير مر قبل صفحة أو صفحتين، أو سيمر الشرح بعد صفحة أو صفحتين، فلما طال ذلك مني، قالوا: عجباً، أتحفظ «الكامل» ؟ فلو قلت: نعم، أو سكت، لشهد لي هؤلاء الأساتذة الثلاثة الكبار بأني أحفظ «الكامل» .
فهل يمكن أن يكون بعض ما يروى عن حفظ الأولين -بعضه لا كله-