فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «يَا عَمِّ، قُلْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، كَلِمَةً أَشْهَدُ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللهِ»، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ: «يَا أَبَا طَالِبٍ، أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؟».
فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - يَعْرِضُهَا عَلَيْهِ، وَيُعِيدُ لَهُ تِلْكَ الْمَقَالَةَ حَتَّى قَالَ أَبُو طَالِبٍ آخِرَ مَا كَلَّمَهُمْ: «هُوَ عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ»، وَأَبَى أَنْ يَقُولَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «أَمَا وَاللهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ»، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} (?)، وَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى فِي أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} (?).
خامسًا: قال المفتي (ص14): «هذا الفكر يريد أن يسحب مسائل الماضي في حاضرنا، وذلك تراه قد حول هذه المسائل إلى قضايا وإلى حدود فاصلة بينه وبين من حوله، وهذه القضايا يتعلق أغلبها بالعادات والتقاليد والأزياء والملابس والهيئات من طريقة الأكل والشرب إلى قضاء الحاجة واستعمال العطور.
وتؤثر هذه الخصيصة التي يستجلب مسائل الماضي وتسحبها وتجرها إلى الحاضر من ناحية، وتحول مجرد المسألة التي كانت في نطاق الماضي لا تعدو مسألة إلى قضية ندافع عنها وننافح من أجلها، وتكون في عقليته معيارًا للتقويم وللقبول والرد، فمن فعلها فهو معه، ومن لم يفعلها فهو ضده، يشمئز منه وينفر ويعاديه».
وقال المفتي (ص19) تحت عنوان (أهم مسائل المتشددين التي جعلوها أصولا لهم وعنوانًا عليهم): «لقد تمسك المتشددون بمجموعة من المسائل التي لا تمثل هوية