السليمة وتحركه مشاعر رفيعه وتحكمه تعاليم الإسلام وتوجه اقتصاده وفنونه وسياسته على أننا إذا تلفَّتنا إلى الماضي فلا نلتفت إليه لنرجع القهقري ونمشي إلى الوراء، بل لنستمد منه القوة على السير سعياً إلى الأمام لنربط بين الماضي المجيد والمستقبل المشرق، إلى الأمام لنصل مجدنا الجديد بمجدنا التليد إننا نعلم أن الاستغراق في الماضي وحده نوم أو جمود والاستغراق في المستقبل وحده هوس وجنون، والاستغراق في الحاضر وحده عجز وقعود، ونحن نريد أن نستمد من الماضي دافعاً وحافزاً، ومن المستقبل موجّهاً ومرشداً ومن الحاضر عماداً وسناداً.

ونحن نعلم أن هذا المجد لا يعود بالأحاديث والخطب ونعلم أن السجين المصفّد بالاغلال لا يطلقه تذكر الحرية والتغني بلذاتها، وأن الجائع لا يشبعه تذكر موائد الماضي واستعراض ألوانها وأن الفقير لا يغنيه تذكر زمان غناه والزهو بما ضاع فيه، وأن الذلة لا تُدفَع عن الذليل بنظم قصائد الفخر بعزة جده، ولكننا نعلم أيضاً أن السجين الذي ينسى أيام الحرية يستريح إلى القيد ولا يجد حافزاً إلى الإنطلاق، وأن الفقير الذي ينسى زمان الغنى يطمئن إلى الفقر ولا يجد دافعاً إلى الإستغناء، وأن الذليل الذي ينسى عزة أبيه يألف الذل ولا يجد قوة على دفعه، فإذا اطمئنّنا إلى جلال ماضينا وحسبنا أن خطبة بتجميده ومقالة بالإشادة به تغنينا وتكفينا فلن يعود لنا هذا الجلال أبداً، وإن نسينا أننا أبناء سادة الأرض وأساتذة الدنيا لم يحرك أعصابنا شيء إلى إستعادة هذا المجد، فلنأخذ من الماضي بقًدْر، نأخذ منه ما يدفع ويرفع وينفع، وندع منه ما يثبط ويُقعد وينيم إننا لا نريد أن نعود إلى الزمان الماضي، فالزمان يمشي أبداً لا يقف ولا يعود، ولا نعود إلى مثل معيشة الزمان الماضي، ونترك ثمرات الحاضر، ولكن نعود إلى المُثُل العلياء وإلى الفضائل التي لا تفقد قيمتها بمرور الزمن، فكما أن الذهب والألماس لا يغيرّه القِدَم ولا يصدأ كما يصدأ الحديد، فإن في المعاني ما هو كالألماس والذهب في المعادن (?).

نحن نريد نعود إلى حياة الإيمان، والتقوى، والإحسان والعدل، والعبودية الخالصة لله عز وجل والشريعة الحاكمة على الأفراد والشعوب والأمة والدول ونتحرر من أنواع الشرك ما ظهر منه وما بطن ونعمل لقول الله تعالى: "وعد الله الذين ءامنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكننَّ لهم دينهم الذي ارتضى لهم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015