كانت فرصة جديدة لظهور نجم الأمير سيف الدين قطز، فقد قام قطز بالقبض على الآتابك سنجر الحلبي وحبسه في الجب بقلعة الجبل، لأنه كان يطمع في السلطنة بعد مقتل المعز آيبك، ولأنه كان يتحين الفرصة للوثوب على العرش، وأدى ذلك إلى مزيد من الاضطرابات والفوضى، فقد هرب عدد من المماليك البحرية إلى جهة الشام، وطاردهم المماليك المعزية وقبضوا على عدد منهم وأودعوهم سجون القلعة، وخلا الجو لسيف الدين قطز فصار نائب السلطان: .. وصار مدبر دولة الملك المنصور علي (?).
وكان جلسو السلطان الصبي على العرش مسألة قصد بها كسب الوقت حتى يمكن لواحد من كبار المماليك الطامعين في عرش السلطنة أن يحسم الصراع لصالحه، وكان هذا مشهداً تكرر كثيراً طوال عصر سلاطين المماليك، بل إننا لا نبالغ إذا قلنا إن هذه كانت ممارسة سياسية حظيت بإعتراف الجميع طوال ذلك العصر ومن المهم أن نشير إلى أن المماليك لم يؤمنوا بنظام وراثة العرش، إذ طبيعتهم العسكرية من ناحية، وشعورهم بأنهم جميعاً سواء في ناحية أخرى، جعل كبار أمرائهم يعتقدون أنهم جميعاً يستحقون العرش الذي يفوز به اقواهم، واقدرهم على الإيقاع بالآخرين تحقيقاً لمبدأ (الحكم لمن غلب)، وكانت النتيجة الطبيعية لذلك أن ظل عرش السلطنة على الدوام محل التنافس والمنازعات بين كبار الأمراء، لا سيما عندما يخلو العرش بسبب موت السلطان، وكان هذا هو الحال عندما مات عز الدين آيبك ولم يشأ ((سيف الدين قطز)) أن يتعجل الأمور ويواجه المنافسين، فأمسك بيده زمام السلطة الفعلية تاركاً للسلطان الصبي شعار السلطنة ولقبها .. ولا شيء أكثر من ذلك وبات عرش مصر قاب قوسين أو أدنى، ثم جاءت الفرصة تسعى إلى قطز، وكان سيف الدين قطز مشغولاً بترتيب الأوضاع السياسية الداخلية لصالحه (?)، على حين كانت الإشاعات تملأ سماء القاهرة بأن السلطان الصبي يريد خلع قطز مملوك أبيه وصاحب اليد البيضاء في توليه عرش البلاد، وإجتمع الأمراء في بيت أحد كبارهم، وتكلموا إلى أن نجحوا في إصلاح الأمور بين الملك المنصور علي وبين مملوك أبيه الأمير قطز، .. وخلع عليه وطيب قلبه وهكذا توطدت مكانة سيف الدين في الدولة (?)،
وفي الوقت نفسه كانت الأحوال متردية تماماً بسبب الفتن التي أثارتها طوائف المماليك في القاهرة، كما كان خطر محاولات الغزو الفاشلة التي قام بها المغيث عمر في ذي القعدة 655هـ/1257م وفي ربيع الأول سنة 656هـ/1258م يقلق باله، بحيث خرج في المرتين للقاء