القدر الذي كان للمماليك ولذلك فقد رأى العرب أنهم أحق من المماليك الغرباء بحكم مصر (?)، فقامت الثورات ضدهم وأستخدم المماليك في قمع تلك الثورات وسائل متعددة تنطوي على القسوة والقهر، من وسائل قتل وتعذيب معروفة في ذلك العهد وقد أدت هذه السياسة إلى هجرة عدد كبير من المزارعين إلى المدن الكبرى بغية التسول أو السرقة أو الإشتراك في المنازعات والإضطرابات الداخلية التي كانت بين أمراء المماليك، وكانت دوافع تلك الثورات اقتصادية وسياسية، ولا شك أن الدافع السياسي وسعي بعض القبائل العربية للقضاء على حكم المماليك ولّد ردة فعل لديهم مما جعلهم يستخدمون سياسة العنف والقسوة في قمع الثورات خوفاً على سلطانهم وأول وأخطر ثورة قام بها الأعراب أيام المماليك، هي الثورة التي قاموا بها في عهد السلطان أيبك التركماني عام 651هـ /1253م وأسباب هذه الثورة ترجع إلى عوامل اقتصادية وسياسية كما أسلفنا، فالمماليك منذ أن أنتصروا على الأيوبيين في وقعة العباسية وتدخلت الخلافة في صالحهم اعتقدوا أن البلاد وما فيها صارت لهم ولا منازع، فبالغوا في الفساد والاستهتار وزيادة الضرائب، إلى درجة أن بعض المؤرخين أمثال المقريزي وأبي المحاسن، فضلوا عليهم الصليبيين وقالوا لو أن الفرنج ملكوا مصر ما فعلوا فعلهم (?).
وهذا كلام لا يستقيم أمام الوقائع التاريخية فالفرنج لما تمكنوا من ثغر دمياط في الحملة الصليبية، عملوا ما تقشعر منه الأبدان وتشيب منه الرؤس، وفصلنا كثيراً من أعمال الفرنج في كتبنا السابقة عن الحروب الصليبية، وقد حاول بعض المؤرخين أن يقدم لنا صفحات التاريخ المملوكي بلون أسود مظلم قاتم، ومع اعترافنا بالحقيقة المرّة أن تمزقاً كان يقوم بين طوائف المجتمع في عهد المماليك وبين الأمراء المماليك أنفسهم وولاءتهم المتعددة، فإن إشراقة من الإيمان تطل علينا وشموعاً تضاء في دهاليز الذات لدى هذا القائد أو ذاك، عندما يمس الإيمان شغاف قلبه، ويحرّك القرآن فيه روح الجهاد والاستشهاد، إن من التجني أن ننسى الدور الرائد الفذ الذي قام به الظاهر بيبرس والمظفر قطز في قيادة جيش إسلامي وقف كالطود الشامخ في وجه الزحف التتري، الذي كان يستهدف عقيدتنا، وديارنا وأمتنا ويسى لإجتثاث ذلك كله من الوجود، وكانت النتيجة إندحار الغزاة وهزيمة المعتدين بوحدة