الحصار الذي فرضه المغول على المدينة، نفذت الأرزاق من داخلها وعم القحط وانتشر الوباء وتهدمت الأسوار من شدة ضرب المنجنيقات حتى هلك أكثر سكان المدينة، فقد وقعت المجاعة فيها بسبب الحصار الطويل وفي عام 658هـ/1260م سقط آخر معقل للمقاومة في الجزيرة ودخل التتار ميّافارقين فوجدوا جميع سكانها موتى، ما عدا سبعين شخصاً نصف أحياء وقبضوا على الكامل الأيوبي فعنفه هولاكو وأمر بتقطيعه وأخذوا يقطعون لحمه قطعاً صغيرة ويدفعون بها إلى فمه حتى مات ثم قطعوا رأسه وحملوه على رمح وطافوا به في البلاد وذلك سنة 657هـ/1259م إلى أن وصل دمشق، فعلّقوه على باب الفراديس، حتى أنزله الأهالي ودفنوه.
وكان السلطان الناصر الأيوبي سلطان بلاد الشام متردد بين المقاومة والاستسلام، وكان متخوفاً من المغول، الذين هددوه بالرسائل وذكروه بما حدث لبغداد وخليفتها وجاء في رسائلهم للسلطان الناصر: ... واستحضرنا خليفتها وسألناه عن كلمات فكذب فواقعه الندم واستوجب منا العدم وكان قد جمع ذخائر نفيسة وكانت نفسه خسيسة، فجمع المال ولم يعبأ بالرجال وكان قد نمى ذكره وعظم قدره ونحن نعوذ بالله من التمام والكمال:
إذا تم أمر دنا نقصه
توقّ زوالاً إذا قيل تم
إذا كنت في نعمة فارْعها
فإن المعاصي تُزيل النعم
وكم من فتى بات في نعمة
فلم يدر بالموت حتى هجم
إذا وقفت على كتابي هذا فسارع برجالك وأموالك وفرسانك إلى طاعة سلطان الأرض، ملك الملوك على وجه الأرض، تأمن شره، وتنل خيره، كما قال تعالى في كتابه العزيز:"وأن ليس للانسان إلا ما سعى* وأن سعيه سوف يرى* ثم يجزاه الجزاء الأوفى". ولا تعوق رسلنا عندك، كما عوقت رسلنا من قبل "فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان". وقد بلغنا تجار الشام وغيرهم انهزموا إلى كروان سراي (?)، فإن كانوا في الجبال نسفنها وإن كانوا في الأرض خسفناها.
هذه طرق من الحرب النفسية التي كان المغول يشنونها ضد أعدائهم. واستمر المغول