جـ ـ موقف النصارى في الشام: جاءت سيطرت المغول شديدة الوطأة على المسلمين في بلاد الشام، إذ أنهم بادروا قبل كل شيء إلى تدمير الاستحكامات والأسوار والقلاع في البلاد التي خضعت لهم مثل حلب ودمشق وحمص وحماه وبعلبك وبانياس وغيرها، وحققوا بذلك ما لم يستطع تحقيقه الصليبيون من قبل (?)، ولقد مال المغول منذ اللحظة الأولى لغزوهم للشرق الأدنى إلى العنصر المسيحي النسطوري، ولعل وصية منكو خان لأخيه هولاكو التي نصت على إستشارة هولاكو لزوجته دوقوز خاتون التي كانت مسيحية نسطورية خير دليل على ذلك، وقد أدى وجودها في ركاب زوجها هولاكو إلى التفاف المسيحيين الشرقيين حول المغول، إذ المعروف أن النساطرة إزداد عددهم في الجيش المغولي ووصلوا إلى حد قيادة الجيوش المغولية، فكيتوبوقا كان من عنصر النايمان النساطرة، وكان من الطبيعي أن يتآخى هؤلاء النساطرة مع الجماعات الأرمينية واليعاقبة وغيرهم التي تكاثر عددها في كبرى مدن الشام (?)، وقد أدى هذا التلاحم إلى مشاركة العنصر المسيحي على مستوى قيادة الجيوش في إقتحام مدن الشام، وهولاكو عندما اقتحمت جيوشه مدينة حلب كان بصحبته ملك أرمينية هيثوم الأول وصهره بوهيمند السادس أمير أنطاكيا، كما شهدت عاصمة الخلافة الأموية دمشق لأول مرة منذ ستة قرون ثلاث أمراء مسيحيين هم: كيتوبوقا وهيثوم وبوهيمند يشقون بمواكبهم شوارعها (?)، ويصح أن نؤكد أن غزو المغول لبلاد المسلمين في الشام إتخذ طابعاً صليبياً، وقد ذكر أن هولاكو عندما غزا بلاد الجزيرة قدم عليه جاشليق الأرمني ومنحه البركات، ولما كان هيثوم الأول ملك أرمينية الصغرى في إتصاله مع المغول يتحدث بإسمهم وإسم صهره بوهيمند السادس أمير أنطاكيا الصليبي فإن هذه الحملة قد إتخذت صفة حملة صليبية أرمينية ـ مغولية (?)،
والواقع أن سقوط المدن الثلاث الكبرى، بغداد وحلب ودمشق في أيدي المغول يعتبر من الكوارث الفاجعة التي هزت العالم الإسلامي في ذلك الوقت، وترتب على سقوط دمشق في أيدي المغول أن أعلن المسيحيون بها التمرد والشموخ، ولم يخفوا فرحتهم بما حل بالمسلمين من نكبة، ولم يخف القائد المغولي كيتوبوقا نفسه ما يكنه من الميل نحو هؤلاء المسيحيين وتردده إلى كنائسهم، وذهب بعضهم إلى هولاكو وأحضروا من عنده ((فرماناً)) ينص على الاعتناء بأمرهم ودخلوا به البلد وصلبانهم مرتفعة وهم ينادون حولها بإرتفاع دينهم وانتضاع دين الإسلام، ورشوا الخمر على ثياب المسلمين وأبواب المساجد وألزموا المسلمين في حوانيتهم بالقيام للصليب، ومن لم يفعل ذلك أهانوه وأقاموه غصباً، وطافوا وهم يحملون