أ- ضّم نصيبين: بدأ عماد الدين زنكي حركته التوسعية الهادفة إلى توحيد الإمارات الإسلامية بالهجوم على نصيبين التابعة لإمارة ماردين وقد اختارها أولاً بفعل كونها أقرب المواقع إلى الجهات التابعة لحكمه، فضرب عليها حصاراً مركزاً فاستنجد حاكمها حسام الدين تمرتاش بداوود بن لقمان صاحب حصن كيفا، لصَّده وإرغامه على فك الحصار عنها، فوعده بالمساعدة (?)، كما بعث إلى أهاليها وحاميتها رسالة مستعجلة على جناح طائر. يحثهم فيها على الصمود ريثما تصلهم النجدة الأرتقية خلال فترة لا تتجاوز الخمسة أيام، إلا أن الرسالة وقعت بيد زنكي وأطلع على ما فيها، ورأى أن ينتهز الفرصة لتدبير حيلة قد تساعده على تحقيق هدفه، فأمر بكتابة رسالة أخرى إلى أهل نصيبين بدلاً من الرسالة الأولى، جاء فيها: من حسام الدين تمرتاش، إنني قد قصدت ابن عمي داود وقد وعدني بالنجدة والمسير بالجيوش، وسوف لن يتأخر قدومه إلينا بأكثر من عشرين يوماً، لذا أطلب منكم الثبات طيلة هذه المدة (?) وبعث الرسالة على جناح الطائر نفسه، ولم يشك النصيبيون لحظة واحدة بأنها وردت إليهم من أميرهم الارتقي: فخافوا على نفوسهم وأيقنوا أنهم يعجزون عن الدفاع عن البلد خلال هذه المدة الطويلة، لذا أرسلوا إلى زنكي وصانعوه وسلموا مدينتهم إليه فبطل على حسام الدين وداود ما كانا قد عزما عليه (?) وبفتح نصيبين أنفسح الطريق أمام زنكي لتحقيق أهدافه ضد إمارات ديار بكر، إذ اتخذ من هذا الموقع قاعدة عسكرية في المنطقة للهجوم على المواقع المجاورة (?).
ب- معركة دارا: مهد ضُّم نصيبين الطريق أمام عماد الدين زنكي لتحقيق أهدافه في ديار بكر بعد أن تأكد عن عجز الحكام المحليين عن مواجهته، إذ غدا هذا الموقع قاعدة أنطلاق للانتشار في المنطقة ومن جهتهم، أدرك أمراء هذا الإقليم مدى خطورة توسع عماد الدين زنكي على أملاكهم، فتداعوا في عام (524هـ/1130م) إلى عقد حلف للوقوف في وجهه، اشترك فيه الأميران الأرتقيان حسام الدين تمرتاش وابن عمه ركن الدولة داوود، وأنضَّم سعد الدولة أبو منصور إيكلدي صاحب آمد إلى الحلف، بالإضاف إلى عدد كبير من أمراء التركمان الموالين لداوود (?)، ولما سمع عماد الدين زنكي بحشود الأمراء قّرر مباغتة القوم قبل أن يتهيأوا للقتال، فأنطلق على رأس أربعة آلاف مقاتل، والتقى بهم بالقرب