فيه على جميع الخلائق سل فتعطى واشفع فتشفع ليس أحد إلا تحت لوائك والأخبار في الشفاعة كثيرة وفي هذا القدر كفاية لأولي البصائر جعلنا الله تعالى وجميع أحبابنا من أهلها الداخلين تحت شفاعة سيد الأنبياء والمرسلين آمين. واختلف أهل التفسير في قوله تعالى:
{وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق} فقال ابن عباس والحسن: أدخلني مدخل صدق المدينة وأخرجني مخرج صدق مكة، نزل حين أمر النبيّ صلى الله عليه وسلم بالهجرة. وقال الضحاك: أخرجني مخرج صدق من مكة آمنا من المشركين وأدخلني مدخل صدق ظاهراً عليها بالفتح. وقال مجاهد: أدخلني في أمرك الذي أرسلتني به من النبوّة مدخل صدق وأخرجني من الدنيا وقد قمت بما وجب عليّ من حقها مخرج صدق. وقيل إدخاله الغار وإخراجه منه سالماً. وقيل: أدخلني مدخل صدق الجنة وأخرجني مخرج صدق من مكة. وقيل: أدخلني في القبر مدخل صدق إدخالاً مرضياً وأخرجني منه عند البعث مخرج صدق إخراجاً ملقى بالكرامة. والجامع لهذه الأقوال ما جرى عليه البقاعي في تفسيره بقوله في كل مقام تريد إدخالي فيه حسيّ ومعنويّ دنيا وأخرى مدخل صدق يستحق الداخل فيه أن يقال له أنت صادق في قولك وفعلك فإنّ ذا الوجهين لا يكون عند الله وجيهاً. وأخرجني من كل ما تخرجني منه مخرج صدق انتهى. والمراد من المدخل والمخرج الإدخال والإخراج ومعنى إضافة المدخل والمخرج إلى الصدق مدحهما، كأنه سأل الله تعالى إدخالاً حسناً وإخراجاً حسناً لا يرى فيهما ما يكره. ثم سأل الله تعالى أن يرزقه التقوية بالحجة وبالقهر والقدرة فقال: {واجعل لي من لدنك} أي: عندك {سلطاناً نصيراً} أي: حجة ظاهرة تنصرني بها على جميع من خالفني وقد أجاب الله تعالى دعاءه وأعلمه أنه يعصمه من الناس بقوله تعالى: {والله يعصمك من الناس} (المائدة، 67)
. وقال تعالى: {فإن حزب الله هم الغالبون} (المائدة، 56)
. وقال تعالى: {ليظهره على الدين كله} (التوبة، 33)
وقال تعالى: {ليستخلفنهم في الأرض} (النور، 55)
. ووعده تعالى ليظهره على الدين ووعده تعالى لينزعن ملك فارس والروم فيجعله له. وعنه صلى الله عليه وسلم أنه استعمل عتاب بن أسيد على أهل مكة وقال: «انطلق فقد استعملتك على أهل الله» فكان شديداً على المرائين المنافقين ليناً على المؤمنين، وقال: والله لا أعلم متخلفاً يتخلف عن الصلاة إلا منافقاً فقال: أهل مكة يا رسول الله لقد استعملت على أهل الله عتاب بن أسيد أعرابياً جافياً فقال صلى الله عليه وسلم «إني رأيت فيما يرى النائم كأنّ عتاب بن أسيد أتى باب الجنة فأخذ بحلقة الباب فقلقلها قلقالاً شديداً حتى فتح له فدخلها» فأعز الله تعالى الإسلام لنصرته المسلمين على من يريد ظلمهم فذلك السلطان النصير، ثم أمره الله تعالى أن يخبر بالإجابة بقوله تعالى:
{وقل} أي: لأوليائك وأعدائك {جاء الحق} وهو ما أمرني به ربي وأنزله إليّ {وزهق} أي: اضمحل وبطل وهلك {الباطل} وهو كل ما يخالف الحق ثم علل زهوقه بقوله تعالى: {إنّ الباطل} أي: وإن ارتفعت له دولة وصولة {كان} في نفسه بجبلته وطبعه {زهوقاً} أي: لا يبقى بل يزول على أسرع الوجوه وقت وأسرع رجوع قضاء قضاه الله تعالى من الأزل ـ قوله على أسرع الوجوه وقت الخ هكذا في جميع النسخ ولعله على أسرع الوجوه كل وقت ويرجع اه.
روى البخاري في التفسير عن ابن مسعود قال: «دخل النبيّ صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح وحول