فعرف هذه الأحوال. الثاني: أنه وسوس إلى آدم ولم يجد له عزماً فقال الظاهر أن أولاده يكونون مثله في ضعف العزم. الثالث: أنه عرف أنه مركب من قوّة بهيمية شهوية وقوّة وهمية شيطانية وقوّة عقلية ملكية، وقوّة سبعية غضبية، وعرف أن بعض تلك القوى تكون هي المستولية في بعض أوّل الخلقة ثم إن القوّة العقلية إنما تكمل في آخر الأمر ومن كان كذلك كان ما ذكره إبليس لازماً له ثم كأنه قيل لقد أطال عدوّ الله الاجتراء فما قال له ربه بعد ذلك فقيل:
{قال} ممدّا له {اذهب} أي: امض لما قصدته وهو طرد وتخلية بينه وبين ما سوّلت له نفسه، وتقدّم في الحجر أنه إنما يؤخر إلى يوم الوقت المعلوم وهو يوم ينفخ في الصور لا أنه يؤخر إلى يوم القيامة كما طلب، وقرأ أبو عمرو وخلاد والكسائيّ بادغام الباء الموحدة في الفاء، وأظهرها الباقون.
ولما حكم تعالى بشقاوته وشقاوة من أراد طاعته له تسبب عنه قوله تعالى: {فمن تبعك منهم} أي: أولاد آدم عليه السلام {فإن جهنم} أي: الطبقة النارية التي تتجهم داخلها {جزاؤكم} أي: جزاؤك وجزاء أتباعك تجزون ذلك {جزاء موفوراً} أي: مكملاً وافياً بما تستحقون على أعمالكم الخبيثة. ولما طلب إبليس اللعين من الله تعالى الإمهال إلى يوم القيامة لأجل أن يحتنك ذرية آدم ذكر الله تعالى له أشياء الأوّل اذهب، أي: امض كما مرّ فإني أمهلتك هذه المدّة وليس من الذهاب الذي هو ضدّ المجيء. الثاني: قوله تعالى: {واستفزز} أي: استخف {من استطعت منهم} أن تستفزه وهم الذين سلطناك عليهم {بصوتك} قال ابن عباس: معناه بدعائك إلى معصية الله وكل داع إلى معصية الله تعالى فهو من جند إبليس، وقيل أراد بصوتك الغناء واللهو واللعب. الثالث: قوله تعالى: {وأجلب} أي: صح {عليهم} من الجلبة وهي الصياح {بخيلك ورجلك} .
واختلفوا في الخيل والرجل على أقوال الأوّل: روى أبو الضحى عن ابن عباس أنه قال: كل راكب أو راجل في معصية الله تعالى وعلى هذا فخيله ورجله كل من شاركه في الدعاء إلى المعصية. الثاني: يحتمل أن يكون لإبليس جيش من الشياطين بعضهم راكب وبعضهم راجل. الثالث: أن المراد منه ضرب المثل كما يقال للرجل المجد في الأمر جدّ بالخيل والرجل. قال الرازي: وهذا أقرب. وقال الزمخشري: هو كلام ورد مورد التمثيل مثل في تسلطه على من يغويه بمغوار وقع على قوم فصوّت بهم صوتاً يستفزهم من أماكنهم ويقلقلهم عن مراكزهم وأجلب عليهم بجنده من خيالة ورجالة حتى استأصلهم والخيل تقع على الفرسان قال صلى الله عليه وسلم «يا خيل الله اركبي» وقد تقع على الأفراس خاصة. وقرأ حفص عن عاصم بكسر الجيم وسكنها الباقون جمع راجل كصاحب وصحب وراكب وركب ورجل بالكسر والضم لغتان مثل حدث وحدث وهو مفرد أريد به الجمع. الرابع قوله تعالى: {وشاركهم في الأموال والأولاد} أمّا المشاركة في الأموال فقال مجاهد: هو كل ما أصيب من حرام أو أنفق في حرام. وقال قتادة: هو جعلهم البحيرة والسائبة والوصيلة والحام. وقال الضحاك: هو ما يذبحونه لآلهتهم. وقال عكرمة: هو تبتيكهم آذان الأنعام وقيل هو جعلهم من أموالهم شيئاً لغير الله، كقولهم: {هذا لله} {وهذا لشركائنا} (الأنعام، 136)
ولا منافاة بين جميع هذه الأقوال. وأمّا المشاركة في الأولاد فقال عطاء عن ابن عباس: هو تسمية الأولاد بعبد شمس وعبد العزى