أمرناهم بالأعمال الصالحة وهي الإيمان والطاعة والقوم خالفوا ذلك الأمر عناداً وأقدموا على الفسق {فحق عليها القول} أي: الذي توعدناهم به على لسان رسولنا {فدمرناها تدميراً} أي: أهلكناها بإهلاك أهلها وتخريب ديارهم، وخص المترفين بالذكر لأنّ غيرهم يتبعهم ولأنهم أسرع إلى الحماقة وأقدر على الفجور، وقيل معناه كثرنا وروى الطبراني وغيره حديثاً: «خير المال سكة مأبورة ومهرة مأمورة» أي: كثيرة النتاج. والسكة بكسر السين وتشديد الكاف الطريقة المصطفة من النخل، والمأبورة الملقحة قال ذلك الجوهري. وروي أنّ رجلاً من المشركين قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم إني أرى أمرك هذا حقيراً؟ فقال صلى الله عليه وسلم «إنه سيأمر» أي: سيكثر وسيكبر. وعن أم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم دخل عليها فزعاً يقول: «لا إلى إلا الله ويل للعرب من شرّ قد اقترب فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه وحلق بين إصبعيه الإبهام والتي تليها. قالت زينب قلت: يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث» أي: الشرّ. وويل يقال لمن وقع في مهلكة أو أشرف أن يقع فيها. وقوله تعالى:
{وكم أهلكنا} أي: بما لنا من العظمة وبين مدلول كم بقوله تعالى: {من القرون} أي: المكذبين {من بعد نوح} كعاد وثمود من الأمم الماضية يخوّف به الكفار أي: كفار مكة قال عبد الله بن أبي أوفى: القرن عشرون ومائة سنة. وقيل: مائة سنة. روي عن محمد بن القاسم عن عبد الله بن بشر المازني أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم وضع يده على رأسه وقال: «سيعيش هذا الغلام قرناً» . قال محمد بن القاسم: ما زلنا نعدّ له حتى تمت له مائة سنة، ثم مات. وقال الكلبي: القرن ثمانون سنة وقيل أربعون. ثم قال تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم
{وكفى بربك} أي: المحسن إليك {بذنوب عباده خبيراً بصيراً} أي: عالماً ببواطنها وظواهرها فكم من إنسان كنتم ترونه من أكابر الصالحين ثم استقرّت عاقبته على خلاف ذلك وكم من شخص ترونه مجتهداً في العبادة فإذا خلا بارز ربه بالعظائم، وتقديم الخبر لتقديم متعلقه. ولما قرّر أنه سبحانه وتعالى عالم ببواطن عباده وظواهرهم قسمهم إلى قسمين الأوّل: قوله تعالى:
{من كان يريد العاجلة} أي: الدنيا مقصوراً عليها همه {عجلنا له فيها} أي: العاجلة بأن نفيض عليه من منافعها {ما نشاء} أي: من البسط والتقتير {لمن نريد} أي: أن نفعل به ذلك فقيد تعالى الأمر بقيدين أحدهما تقييد المعجل بإرادته ومشيئته. والثاني: تقييد المعجل له بإرادته وهكذا الحال ترى كثيراً من هؤلاء يتمنون ما يتمنون ولا يعطون إلا بعضاً منه وكثير منهم يتمنون ذلك البعض وقد حرموه فاجتمع عليهم فقر الدنيا وفقر الآخرة. تنبيه: لمن نريد بدل بعض من كل من الضمير في له بإعادة العامل تقديره لمن نريد تعجيله له ويقال إنّ الآية في المنافقين كانوا يراؤون المسلمين ويقرؤون معهم ولم يكن غرضهم إلا مساهمتهم في الغنائم ونحوها وهذا هو المناسب لقوله تعالى: {ثم جعلنا له جهنم يصلاها} أي: في الآخرة {مذموماً} أي: مفعولاً به الذم {مدحوراً} أي: مدفوعاً مطروداً مبعداً وإن ذكره البيضاوي بصيغة قيل. ثم ذكر تعالى القسم الثاني وشرط فيه ثلاثة شروط: الأوّل: قوله تعالى:
{ومن أراد الآخرة} أي: أراد بعمله ثواب الآخرة فإنه إن لم ينو