الإفساد وهو الوقت الذي حدّدنا له الانتقام فيه. {ليسوءوا} أي: بعثنا عليكم عباداً لنا ليسوءوا {وجوهكم} أي: بجعل آثار الإساءة بائنة فيها وحذف متعلق اللام لدلالة الأوّل عليه. وقرأ الكسائي بعد اللام بنون مفتوحة على التوحيد والضمير فيه لله والباقون بالياء مفتوحة، وأمّا الهمزة التي بعد الواو والتي بعد السين فقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وحفص بضم الهمزة ومدّها والباقون بفتح الهمزة ولا مدّ وقوله تعالى: {وليدخلوا المسجد} عطف على ليسوءوا والمراد بالمسجد الأقصى الذي سقناكم إليه من مصر في تلك المدد الطوال وأعطيناكم بلاده بالتدريج وجعلناه محل عزكم وأمنكم ثم جعلناه محلاً لإكرام أشرف خلقنا بالإسراء إليه وجمع أرواح النبيين كلهم فيه وصلاته بهم، وهذا تعريض بتهديد لقريش بأنهم إن لم يرجعوا بدل الله أمنهم في الحرم خوفاً وعزهم ذلاً، وأدخل عليهم جنوداً لا قبل لهم بها، وقد فعل ذلك عام الفتح لكنه فعل إكرام لا إهانة ببركة هذا النبيّ الكريم صلى الله عليه وسلم {كما دخلوه} أي: الأعداء {أوّل مرّة} بالسيف ويقهروا جميع جنودكم دفعة واحدة {وليتبروا} أي: يهلكوا ويدمروا مع التقطيع والتفريق {ما علوا} أي: عليه من ذلك وقيل ما مصدرية أي: مدّة علوهم {تتبيراً} أي: إهلاكاً. قال الزجاج: وكل شيء جعلته مكسراً مفتتاً فقد تبرته ومنه قيل تبر الزجاج، وتبر الذهب لمكسره، ومنه قوله تعالى: {إنّ هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون} (الأعراف، 139)

. قال الرازي: وهذه المرّة الأخيرة هي إقدامهم على قتل زكريا ويحيى عليهما السلام. قال البيضاوي: وذلك بأن سلط عليهم الفرس مرّة أخرى فغزاهم ملك بابل من ملوك الطوائف اسمه حردون، وقيل جردوس، قيل دخل صاحب الجيش مذبح قرابينهم جمع قربان فوجد فيه دماً يغلي فسألهم عنه فقالوا: دم قربان لم يقبل منا فقال: ما صدقتموني فقتل عليه ألوفاً منهم فلم يهدأ الدم، ثم قال إن لم تصدقوني ما تركت منكم أحداً فقالوا إنه دم يحيى فقال لمثل هذا ينتقم ربكم منكم، ثم قال: يا يحيى أي: خطاباً لدمه قد علم ربي وربك ما أصاب قومك من أجلك فاهدأ بإذن الله قبل أن لا يبقى أحد منهم فهدأ أي: سكن.l

وقال الواحدي: فبعث الله تعالى عليهم بختنصر البابلي المجوسي أبغض خلقه إليه فسبى بني إسرائيل وخرب بيت المقدس. قال الرازي: أقوال التواريخ تشهد أنّ بختنصر كان قبل وقت عيسى ويحيى وزكريا بسنين متطاولة، ومعلوم أنّ الملك الذي انتقم من اليهود ملك الروم يقال له قسطنطين الملك والله أعلم بأحوالهم ولا يتعلق غرض من أغراض تفسير القرآن بمعرفة أعيان هؤلاء الأقوام انتهى. ولما انقضى ذلك كان كأنه قيل هل بقي لهم نصرة على عدوّهم؟ فقال تعالى:

يا بني إسرائيل بعد انتقامه منكم فترد الدولة إليكم ثم بعد أن أطمعهم فزعهم بقوله تعالى: {وإن عدتم} أي: إلى المعصية {عدنا} أي: إلى صب البلاء عليكم في الدنيا مرّة أخرى. قال القفال: إنما حملنا هذه الآية على عذاب الدنيا لقوله تعالى في سورة الأعراف خبراً عن بني إسرائيل: {وإذ تأذن ربك ليبعثنّ عليهم إلى يوم القيامةمن يسومهم سوء العذاب} (الأعراف، 167)

. ثم قال وإنهم قد عادوا إلى فعل ما لا ينبغي وهو التكذيب بمحمد صلى الله عليه وسلم وكتمان ما ورد في التوراة والإنجيل فعاد الله تعالى عليهم بالتعذيب على أيدي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015