إلى من أساء إليك، ليس الإحسان أن تحسن إلى من أحسن إليك. وقيل: العدل الإنصاف، والإنصاف أعدل من الاعتراف للمنعم بإنعامه، والإحسان أن تحسن إلى من أساء إليك، وعن محمد بن كعب القرظي قال: دعاني عمر بن عبد العزيز فقال: صف لي العدل؟ فقلت: بخ سألت عن أمر جسيم كن لصغير الناس أبا ولكبيرهم ابناً وللمثل منهم أخاً وللنساء كذلك. {وإيتاء} أي: ومن الإحسان إيتاء {ذي القربى} أي: القرابة القربى والبعدى فيندب أن تصلهم من فضل ما رزقك الله فإن لم يكن لك فضل فدعاء حسن وتودّد. وروى أبو سلمة عن أبيه أنّ رسول الله

صلى الله عليه وسلم قال: «إنّ أعجل الطاعة ثواباً صلة الرحم، إنّ أهل هذا البيت ليكونون تجاراً فتنمى أموالهم ويكثر عددهم إذا وصلوا أرحامهم» .

ولما أمر تعالى بالمكارم نهى عن المساوئ بقوله تعالى: {وينهى عن الفحشاء} قال ابن عباس:، أي: الزنا، فإنه أقبح أحوال الإنسان وأشنعها. وقال غيره: الفحشاء ما قبح من القول والفعل فيدخل فيه الزنا وغيره من جميع الأقوال والأفعال المذمومة جميعها. {والمنكر} قال ابن عباس: يعني الشرك والكفر. وقال غيره: المنكر ما لا يعرف في شريعة أو سنة. {والبغي} هو الاستيلاء على الناس والتجبر عليهم قيل: إنّ أعجل المعاصي عقاباً البغي، ولو أنّ جبلين بغى أحدهما على الآخر لدك الباغي. ونص تعالى على البغي مع دخوله في المنكر اهتماماً به، كما بدأ بالفحشاء لذلك. وقال ابن قتيبة في هذه الآية: العدل استواء السرّ والعلانية والإحسان أن تكون سريرته خيراً من علانيته والفحشاء والمنكر والبغي أن تكون علانيته أحسن من سريرته. وقال بعض العلماء: إنّ الله تعالى ذكر من المأمورات ثلاثة أشياء، ومن المنهيات ثلاثة أشياء، فذكر العدل وهو الإنصاف والمساواة في الأقوال والأفعال، وذكر في مقابلته الفحشاء وهو ما قبح من الأقوال والأفعال، وذكر الإحسان وهو أن يعفو عمن ظلمه، ويحسن إلى من أساء إليه، وذكر في مقابلته المنكر وهو أن ينكر إحسان من أحسن إليه، وذكر إيتاء ذي القربى، والمراد به صلة القرابة والتودّد إليهم والشفقة عليهم وذكر في مقابلته البغي وهو أن يتكبر عليهم أو يظلمهم حقوقهم. ولما كان هذا المذكور من أبلغ المواعظ نبه عليه بقوله تعالى: {يعظكم} أي: يأمركم بما يرقق قلوبكم من مصاحبة الثلاثة الأول وهي العدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، ومجانبة الثلاثة الأخيرة وهي الفحشاء والمنكر والبغي. {لعلكم تذكرون} أي: لكي تتعظوا فتعملوا بما فيه رضا الله تعالى. وقرأ حفص وحمزة والكسائي بتخفيف الذال والباقون

بالتشديد وفيه ادغام التاء في الأصل في الذال. وروى البيهقي في «شعب الإيمان» عن ابن مسعود أنه قال: أعظم آية في كتاب الله تعالى: {الله لا إله إلا هو الحيّ

القيوم} (البقرة، 255)

وأجمع آية في كتاب الله للخير والشر الآية التي في النحل: {إنّ الله يأمر بالعدل والإحسان} وأكثر آية في كتاب الله تفويضاً: {ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب} (الطلاق: 2، 3)

وأشدّ آية في كتاب الله تعالى: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم} (الزمر، 53)

الآية. وقال أهل المعاني: لما قال الله تعالى في الآية الأولى: {ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء} بيّن في هذه الآية المأمور به والمنهي عنه على سبيل الإجمال فما من شيء يحتاج

طور بواسطة نورين ميديا © 2015