فيدخل في ذلك الأنبياء فيدل على عدم عصمتهم؟ أجيب: بأنّ ذلك عام مخصوص بقوله تعالى: {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله} (فاطر، 32)
فالمذكور في هذه الآية، إما كل العصاة المستحقين العقاب أو الذين تقدّم ذكرهم من المشركين ومن الذين أثبتوا لله البنات، أو جميع الكفار بدليل قوله تعالى: {إنّ شرّ الدواب عند الله الذين كفروا} (الأنفال، 55)
. وقال قتادة: قد فعل الله تعالى ذلك في زمن نوح عليه السلام فأهلك جميع الدواب التي على وجه الأرض إلا من كان في السفينة مع نوح عليه السلام. روي أنّ أبا هريرة رضي الله تعالى عنه سمع رجلاً يقول: إنّ الظالم لا يضر إلا نفسه. فقال: بئسما قلت إنّ الحبارى تموت هزالاً من ظلم الظالم. وقال ابن مسعود: إنّ الجعل تعذب في حجرها بذنب ابن آدم، والجعل بضم الجيم وفتح العين دويبة قاله الجوهريّ. وقيل في معنى الآية: ولو يؤاخذ الله الآباء الظالمين بسبب ظلمهم لانقطع النسل، ولم توجد الأبناء ولم يبق في الأرض أحد. {ولكن يؤخرهم} أي: يمهلهم بفضله وكرمه وحلمه {إلى أجل مسمى} أي: إلى انتهاء آجالهم وانقضاء أعمارهم، {فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة} عنه {ولا يستقدمون} أي: لا يؤخرون ساعة من الأجل الذي جعله الله تعالى لهم ولا ينتقصون منه. تنبيه: ههنا همزتان مفتوحتان من كلمتين فقرأ قالون والبزي وأبو عمرو بإسقاط إحدى الهمزتين مع المدّ والقصر. وقرأ ورش وقنبل بتسهيل الثانية وإبدالها حرف مدّ والباقون بتحقيق الهمزتين.
والنوع الثالث من الأقاويل الفاسدة التي كان يذكرها الكفار وحكاها الله تعالى عنهم قوله: {ويجعلون لله ما يكرهون} لأنفسهم من البنات وأراذل الأحوال والشركاء في الرياسة. ثم وصف الله تعالى جراءتهم مع ذلك بقوله تعالى: {وتصف} أي: وتقول {ألسنتهم الكذب} أي: مع ذلك مع أنه قول لا ينبغي أن يتخيله عاقل، ثم بيّنه بقوله تعالى: {أنّ لهم الحسنى} أي: عنده، أي: الجنة كقوله تعالى: {ولئن رجعت إلى ربي إنّ لي عنده للحسنى} ولا جهل أعظم ولا أحكم سوءاً من أن تقطع بأنّ من تجعل له ما تكره أن يجعل لك ما تحب فكأنه قيل ما لهم عنده؟ فقيل: {لا جرم} أي لا ظن ولا تردّد في {أن لهم النار} أي: هي جزاء الظالمين وقيل لا جرم بمعنى حقاً. {وأنهم مفرطون} أي: متركون فيها أو مقدّمون إليها وقرأ نافع بكسر الراء، أي: متجاوزون الحد والباقون بالفتح. فإن قيل: إنهم لم يقرّوا بالبعث فكيف يقولون إن لنا الحسنى عند الله؟ أجيب: بأنهم قالوا إن كان محمد صادقاً في البعث بعد الموت فإن لنا الجنة، وقيل إنه كان في العرب جمع يقرّون بالبعث والقيامة وأنهم كانوا يربطون البعير النفيس على قبر الميت ويتركونه إلى أن يموت ويقولون إنّ ذلك الميت إذا حشر فإنه يحشر معه مركوبه، ثم بين تعالى أنّ مثل هذا الصنيع الذي يصدر من مشركي قريش قد صدر من سائر الأمم السابقين في حق الأنبياء المتقدّمين بقوله تعالى:
{تالله} أي: الملك الأعلى {لقد أرسلنا} أي: بما لنا من القدرة رسلاً من الماضين {إلى أمم من قبلك} كما أرسلنا إلى هؤلاء {فزين لهم الشيطان} أي: المحترق بالغضب المطرود باللعنة {أعمالهم} الخبيثة من الكفر والتكذيب كما زين لهؤلاء فضلوا كما ضلوا فأهلكناهم، وهذا يجري مجرى التسلية للنبيّ